28
0
الحب المشروط للوالدين...أسلوب تربوي خاطئ ينتشر في المجتمع الجزائري

يقع الأولياء في مسار تربيتهم لأبنائهم في مساومة عنوانها "الحب المشروط"، الذي أصبح ظاهرة جد منتشرة في المجتمع الجزائري، بدون وعي حقيقي بمخاطرها و تداعيتها على الصحة النفسية للطفل الذي قد تخلف له بحكم التكرار ندبات نفسية عميقة يصعب التشافي منها وقد تكبر مع الوقت لتصبح عقدة نفسية لا يمكن حلها .
شيماء منصور بوناب
فغياب الوعي النفسي و الاحتواء الأسري السليم، أصبح الحب في الأسرة الجزائرية مجرد وسيلة ضغط تربوية تنتهجها الأم في الغالب من أجل تهذيب ابنها وفق قيود وشروط هي من تحددها مقابل احتضان بسيط أو تعبير عن الامتنان للطفل جراء قيامه بدوره أو من أجل اجتياز امتحانه بنجاح و بالعلامة التي تريدها هي.
الحب السليم في الأسرة .... منهاج تربوي صحي
وبحكم تكرار هذا المشهد بين الأسر الجزائرية ، حاولنا في هذا المقال معالجة هذه الظاهرة و تسليط الضوء على أهم تداعياتها كأسلوب تربوي خاطئ، من خلال لقائنا مع المختصة التربوي و الأسرية الكوتش نايت مسعود فاطمة.
بداية وفي لقائنا مع المختصة التربوية و الأسرية ، قالت أن الحديث عن الحب الصحي بين أفراد الأسرة يقودنا للبحث في خلفيته كمفهوم شعوري يعكس الحالة النفسية الصحية للأسرة الواحدة.
فالحب العفوي الصادق الذي يجمع مثلا الأم بابنها نابع من فطرة الأمومة السليمة التي لا تشوبها شائبة، دون قيود أو شروط قد تعكر صفو تلك الحالة النفسية و الشعورية.
موضحة أن الدعم النفسي والحب الغير مشروط يجعل الأسرة متماسكة والتي تكون مستعدة لتطوير الجانب العاطفي للطفل بشكل سليم صحي يعزز ثقته بنفسه وبغيره فيصبح في المستقبل رجلا سويا قادر على اتخاذ قراراته بشكل منظم و صحيح.
الحب المشروط..... أسلوب تربوي عقيم
وفي هذا السياق نشير لبعض الدراسات النفسية التي طبقت على بعض الرجال و النساء و التي أفادت أن "الإنسان يقضي من 30 إلى 40 سنة من عمره وهو يحاول التغلّب على ما حمل من مشكلات وانطباعات خاطئة ومفاهيم سيئة في السنوات الخمس الأولى من عمره".
هذه الدراسة تستحضر في جوهرها أساليب التربية الأولية المطبقة على الطفل في سنواته الأولى و التي تعد السبب الرئيسي في تكوين شخصيته، وفي ذلك كشفت المختصة أن الأولياء غالبا ما يقعون في زلات تربوية أثناء تعليم وتربية أبنائهم وفق ضوابط مشددة بقيود متشعبة دون وعي منهم بخطورتها المستقبلية.
ومن بين تلك الأساليب ركزت نايت مسعود على الحب المشروط الذي يعد ظاهرة مستجدة تهدد كيان الأسرة الجزائرية، باعتبارها وسيلة ضغط تربوية تمارس بشكل عاطفي وبتبعات نفسية حادة تتأزم بمرور الوقت.
أصبح الحب المقدم للأبناء رهان للتصرف الصحيح ينقاد تحت عبارات يتداولها الأولياء بشكل مكرر، مثلا: إذا حصلت على علامة ممتازة سأحبك اكثر ... أو إذا بقيت مهذبا أثناء زيارتنا لأقاربنا ستكون ابني المدلل و المحبوب..." وغيرها من العبارات التي تخنق الطفل داخليا وتجعله يتصرف بغير طبيعته وعفويته. تضيف المختصة.
مشيرة إلى أن الأم تعد أساس هذه اللعبة العاطفية فتأخذ دور القاضي في التربية و التوجيه حيث تقدم حبها لطفلها بشكل مقيد بحدود وخطوط حمراء لا يمكن تجاوزها إلا برغبتها .
هذه السلوكيات تعلم الطفل أن الحب حاله حال أي مقتنيات نشتريها من السوق، الحصول عليه يكون بالدفع ماديا أو معنويا وغالبا ما يرتبط بالعلامات أو التحصيل الدراسي الذي يعد حجر الأساس فيه.
تبعات الحب المشروط .... ندبة نفسية حادة للطفل
وعن تبعات هذا السلوك، ذكرت أن الطفل يشعر بأنه غير كافي بذاته ، لابد أن يقدم شيء مقابل الحب الأسري، وهنا يبدأ الصراع مع ذات الطفل الذي يصبح في حالة من الاضطراب الوجودي خالي من أي قيمة إنسانية .
مؤكدة أن هذا السلوك العدواني النفسي يضع الطفل في قفص الاتهام الذي يخلق في ذهنه مخاوف متجذرة في داخله مع عدم الشعور بالأمان أو الرضا عن نفسه و عن ما يقوم به.
فشعوره بأنه غير مقبول ينشأ فجوة بينه و بين والدته أو والده تتوسع رقعتها مع كل سنة يكبر فيها الطفل إلى غاية بلوغه سن الرشد حينها فقط يطوي صفحة جروحه و ندباته دون تشافي .
وتابعت، الوسائل التي تستخدمها الام هي وسائل مدمرة لشخصية الطفل واحيانا تقوده لأفعال سلبية كالعناد ورفض الانصياع لأوامر الوالدين و حتى التمرد العنيف ذلك فقط عند شعوره بالرفض وعدم القبول .
فالتعرض لهذه السلوكيات عدة مرات تجعل احترام و تقدير الطفل لنفسه يقل تدريجيا، و هو ما يشكل له عقدة نفسة يصعب التخلص منها، فتظهر في البداية على شكل كوابيس أو تراجع حاد في الدراسة وحتى العزلة و الوحدة.
إن الوسائل التربوية الخاطئة تكاد تكون السبب الرئيسي للتسرب المدرسي فقد أصبحت مشكلة حقيقية تفرض دق ناقوس الخطر لمعالجتها فورا قبل أن تصبح معضلة مجتمعية معقدة .
دورات التأهيل التربوي.. طوق النجاة من براثن الحب المشروط
وفي هذا الشأن نصحت الكوتش الأولياء بتقبل أبنائهم كما هم بمستواهم الدراسي و قدراتهم العقلية و كيفية أدائهم اليومي ، فبدل الضغط و الترهيب النفسي لابد من اعتماد منهاج تربوي سليم قائم على فكرة التقبل و الثناء و الاحتواء بدلالات تلامس نفسية الطفل ، مثل:" انت ابني احبك كما انت بنجاحك او فشلك أنت الذي تهمني وانا دائما ادعمك ".....
لابد من الاحتواء العاطفي وتعزيز ثقته بنفسه لأنه السبيل الأول لنجاحه في دراسته و في عمله مستقبلا، لأنها تبرمجه على سلوكيات مصيرية تقوده في حياته بوعي نفسي و عاطفي مستمد من اللبنة الأولى الا وهي الاسرة."تضيف الكوتش"
كما أن تطوير قدراته الذهنية يفرض تعزيز الاحترام لذاته و التعلم من أخطائه دون وضع للقيود او الشروط التي تكبح ميلاته و تربط أفكاره و تبرمجه على شكل معين خالي من الابداع.
ولفتت أن المشكلة التي يقع فيها أغلب الأولياء هي افتقارهم لأدوات التربية السليمة، رغم وجود دورات تربوية لتحسين أساليبهم بشكل مجاني أو مدفوع الأجر وحتى في مواقع الواصل الاجتماعي.
وفي هذا الصدد قالت، الطفل وهو في مراحل نشأته الأولى يعتبر ككيان معقد يفرض كيفيات معينة للتعامل معه وهو ما أحاول في استشاراتي توضيحه للأولياء الذين يكتشفون النقص الموجود في اساليبهم التربوية بمجرد اطلاعهم على حالة طفلهم .
وأضافت بعد جلسة أو جلستين ألاحظ أن الطفل قد استعاد توازنه ووعيه التام بقدراته وبكيانه كفرد فاعل في الأسرة و المجتمع.