778

0

الجزائر تنقض اتفاقية الجوازات مع فرنسا…

صفعة سيادية مدوّية تفضح ازدواجية باريس وتؤسس لمرحلة جديدة من الندية الكاملة

بقلم: الحاج بن معمر

في مشهد دبلوماسي نادر يجمع بين الصرامة السياسية والحسم القانوني، وضعت الجزائر نقطة النهاية لاتفاقية 2013 الخاصة بإعفاء حاملي الجوازات الدبلوماسية والرسمية الجزائرية من التأشيرة، ليس عبر صيغة مبهمة أو قرار متردد، بل عبر موقف سيادي واضح ومعلن بلغته القانونية الصارمة،.حين اختارت وزارة الشؤون الخارجية والجالية الوطنية بالخارج مصطلح “نقض” أو (dénonciation)، وهو مصطلح لا يحتمل التأويل ولا يترك ثغرات لعودة الاتفاق من نافذة خلفية، إذ يعني في القانون الدولي إنهاء الاتفاق من طرف واحد وخروجاً نهائياً من كل الالتزامات التي نص عليها.

وبهذا الفعل تكون الجزائر قد رفعت الجدار الأخير بين مرحلة كانت فيها بعض الاتفاقيات تُدار بمنطق الرمزية التاريخية ومرحلة جديدة تُدار فيها العلاقات الدولية بمعيار المصلحة والسيادة وحدهما،.

وعلى الطرف الآخر، كانت فرنسا تحاول، بكل ما أوتيت من براعة لغوية سياسية، التخفيف من وقع هذه القطيعة عبر استخدام مصطلح “تعليق” أو (suspension) كما جاء على لسان الرئيس إيمانويل ماكرون ومسؤولي حكومته، وهو مصطلح يفهم في الفقه القانوني الدولي على أنه إيقاف مؤقت لتطبيق الاتفاق مع الإبقاء عليه قائماً من الناحية الشكلية والقانونية، بما يتيح استئناف العمل به لاحقاً دون الحاجة إلى إعادة التفاوض من الصفر، وهنا يتضح الفارق الجوهري بين المقاربتين: فرنسا تترك الباب موارباً، تمسك بخيط الاتفاق ولو كان واهياً لتسوق للرأي العام الداخلي والخارجي صورة “تجميد تقني” لا “قطع سياسي”، بينما الجزائر تغلق الباب بإحكام وتلقي بالمفتاح في البحر، معلنة أن الاتفاق لم يعد قائماً وأن زمن الارتباط الشكلي بات وراءها.

هذا التباين اللغوي ليس مجرد اختلاف في المفردات، بل هو انعكاس عميق لطبيعة العلاقة بين البلدين كما تراها كل عاصمة، فالجزائر تدير ملفاتها الآن من موقع الندية لا التبعية، ومن موقع الدولة التي تمارس سيادتها الكاملة بلا حسابات تعود إلى زمن الاستعمار أو بقاياه الرمزية، في حين تسعى باريس إلى تجنب الإقرار العلني بالخسارة السياسية، خشية أن يتحول القرار الجزائري إلى سابقة تلهم دولاً أخرى على اتباع النهج ذاته.

 ولأن الخطاب الجزائري جاء متسقاً مع قواعد القانون الدولي، حيث يُعد النقض إجراءً نهائياً منصوصاً على آلياته في الاتفاقيات الثنائية ومتوافقاً مع مبدأ سيادة الدولة في الانسحاب من أي التزام، فقد حمل في طياته رسالة مزدوجة: أولاً إلى الداخل، بأن سيادة الجواز الجزائري ليست محلاً للمساومة، وثانياً إلى الخارج، بأن الجزائر الجديدة لا تقبل أنصاف المواقف أو حلولاً رمادية، ومن هنا نفهم لماذا يسعى الإعلام الفرنسي للتعتيم على حقيقة الموقف ومحاولة إعادة صياغته في قوالب تخفف من وقع الصدمة، لكن الحقائق تظل أبلغ من أي دعاية، فالمصطلح الذي اختارته الجزائر ليس صدفة لغوية، بل إعلان قطيعة سياسية وقانونية متكاملة، إعلان بأن العلاقة التي يُراد لها أن تبقى أسيرة الماضي الاستعماري قد تم تحريرها من قيودها، وبأن فرنسا التي كانت تملي الشروط باتت اليوم تتلقى الرسائل السيادية من دولة تعرف تماماً وزنها وموقعها. وإذا كان “التعليق” الفرنسي مجرد مناورة لتأجيل الاعتراف بالخسارة، فإن “النقض” الجزائري هو انتصار للكرامة الوطنية ووضع النقطة الأخيرة في سطر اتفاق لم يعد موجوداً إلا في أرشيف باريس، والأهم أن هذه الخطوة تؤسس لمرحلة جديدة في السياسة الخارجية الجزائرية، مرحلة عنوانها أن السيادة ليست شعاراً يُرفع بل قراراً يُنفذ مهما كانت التبعات، وأن من يظن أن بإمكانه الالتفاف على هذا القرار بمفردات دبلوماسية منمقة إنما يواجه جداراً من الصلابة الوطنية لا ينكسر.

 

 

شارك رأيك

التعليقات

لا تعليقات حتى الآن.

رأيك يهمنا. شارك أفكارك معنا.

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2025.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2025.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services