489

0

الجزائر والولايات المتحدة.. شراكة ممكنة أم تنافس مؤجل؟

 

بقلم: د.انيسة براهنة

 

صدرت مؤخرًا عن معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى (Washington Institute for Near East Policy) مذكرة سياسات بعنوان: "الانخراط الاستراتيجي للولايات المتحدة مع الجزائر: طريق للمضي قدماً في عالم متغير"، للباحثة سابينا هينبرغ (Sabina Henneberg).

الجزائر باتت شريكًا لا غنى عنه

ورغم الطابع الأكاديمي للمذكرة، إلا أنها تكشف بوضوح طريقة تفكير واشنطن تجاه الجزائر، وتضعها في قلب معادلة جيوسياسية دقيقة بين روسيا (Russia) والصين (China) والولايات المتحدة (United States).

ترى المذكرة أن الجزائر باتت شريكًا لا غنى عنه في مكافحة الإرهاب في منطقة الساحل، وأن تجربتها الطويلة في الوساطة بالملفات الإقليمية مثل ليبيا (Libya) ومالي (Mali) والسودان (Sudan) تجعلها طرفًا مؤثرًا.

كما تشير إلى القوة العسكرية الجزائرية المتنامية ورغبتها في لعب أدوار خارج الحدود بعد تعديل الدستور سنة 2020.

الرسالة التي يسعى النص إلى تمريرها هي أن واشنطن مطالبة بالتعامل مع الجزائر بندّية وحذر، وأن أي محاولة للظهور بمظهر المتدخل في شؤونها السيادية لن تجدي نفعًا.

إلى جانب البعد الأمني، تضع المذكرة الجزائر في قلب منافسة ثلاثية مفتوحة،  فروسيا ما تزال المورّد الأكبر للسلاح رغم تراجع مكانتها، بينما توسع الصين نفوذها الاقتصادي والثقافي عبر مشاريع الطاقة والتجارة وحتى تعليم اللغة.

أما الولايات المتحدة فترى فرصتها في قطاعات جديدة مثل الطاقات المتجددة (renewable energies) والتعليم (education) والزراعة الذكية (smart agriculture).

في هذه المقاربة، تبدو الجزائر ليست مجرد شريك اقتصادي أو سياسي، بل ساحة اختبار حقيقية للتنافس بين القوى الكبرى.

ورغم إدراكها للفرص، يعكس التقرير رؤية أميركية تقليدية، إذ يُنظر إلى الجزائر باعتبارها "محورًا استراتيجيًا" أكثر من كونها شريكًا متكافئًا.

فهو يتجاهل ثقل الذاكرة الاستعمارية في تشكيل الموقف الجزائري من الغرب، ويقلل من عمق رفض الجزائريين لأي وصاية أجنبية.

كما يقدّم الاستقرار على أي انفتاح ديمقراطي، مكتفيًا بالتعامل مع الشباب والمجتمع المدني من زاوية التعاون الثقافي، دون أن يضع دعم التحول السياسي ضمن الأولويات.

الجزائر لم تعد على هامش الجغرافيا السياسية

وتطرح المذكرة سيناريوهين لمستقبل الجزائر، الأول يقوم على الجمود (status quo)، حيث يتواصل الاعتماد على الريع النفطي وتتزايد العسكرة مع توطيد الشراكة مع روسيا والصين.

أما الثاني فيقوم على انفتاح تدريجي (progressive opening)، يتيح تنويع الاقتصاد ويقود إلى تقارب مع الولايات المتحدة وانتهاج سياسة خارجية أكثر براغماتية.

لكن اللافت أن هذه السيناريوهات تنطلق أساسًا من مصالح واشنطن، بينما تظل أولويات الجزائر غائبة تقريبًا عن السردية.

من منظور جزائري، يبقى هذا النص مرآة لطريقة تفكير الاستراتيجية الأميركية أكثر من كونه رؤية متوازنة لشراكة محتملة.

فالمذكرة لا تخرج عن ذهنية "إدارة النفوذ" (management of influence) التي طبعت تاريخ العلاقة بين الغرب والمنطقة، لكنها تكشف في المقابل أن الجزائر لم تعد على هامش الجغرافيا السياسية كما كانت تُصوَّر سابقًا، بل صارت عقدة محورية في معادلات المتوسط (Mediterranean) وإفريقيا (Africa).

إن السؤال المطروح اليوم ليس ما إذا كانت الولايات المتحدة راغبة في توسيع شراكتها مع الجزائر، فهذا أمر واضح، بل ما إذا كانت الجزائر قادرة على تحويل هذا الاهتمام الدولي إلى فرصة لشراكة متوازنة تحافظ على استقلالها، وتُمكّنها من أن تكون فاعلاً إقليميًا يحسب له حساب، بدل أن تبقى مجرد ساحة لتنافس الآخرين.

شارك رأيك

التعليقات

لا تعليقات حتى الآن.

رأيك يهمنا. شارك أفكارك معنا.

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2025.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2025.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services