1724

0

الجزائر.. الأمازيغية والعربية: نسيج واحد في مواجهة مؤامرات التفرقة

 

بقلم الحاج بن معمر 

في قلب المغرب العربي، حيث تلتقي حضارات ضاربة في القدم، تقف الجزائر شامخة بهويتها المتعددة الأبعاد، التي تشكلت عبر آلاف السنين من التفاعل بين الأمازيغية والعربية، لتصنع نسيجًا وطنيًا فريدًا.

هذا النسيج ليس مجرد تعايش بين لغتين أو ثقافتين، بل هو اندماج عميق يصنع هوية جزائرية جامعة، تقوم على أساس متين من التاريخ المشترك، والمعتقد الموحد، والأرض التي شهدت دماء الشهداء من كل المكونات تسقي ترابها الطاهر.

لكن هذا النسيج الوثيق يتعرض اليوم لمحاولات خبيثة تهدف إلى تفكيكه، عبر خطاب يروج للانقسام ويغذي النزعات الضيقة، مستغلًا اختلافات طبيعية في اللغة والعادات لزرع بذور الفتنة.  

إن تاريخ الجزائر يشهد بأن الأمازيغية والعربية لم تكونا يومًا متناقضتين، بل كانتا جناحين لطائر واحد يحلق في سماء الوطن.

فمنذ الفتح الإسلامي، الذي دخلت معه العربية كلغة دين وحضارة، ظلت الأمازيغية حية في الوجدان الجمعي، تتوارثها الأجيال كإرث لا ينفصل عن الهوية.

بل إن الإسلام نفسه، الذي جاء باللغة العربية، أصبح القاسم المشترك الذي وحّد الأمازيغ والعرب تحت مظلة عقيدة واحدة، فكان الدين الرابط الأقوى الذي حوّل الاختلاف من مصدر للفرقة إلى مصدر للإثراء

. ولم تكن المقاومة ضد الاستعمار الفرنسي إلا نموذجًا حيًا على هذه الوحدة، حيث قاتل الأمازيغ والعرب جنبًا إلى جنب، ورفعوا راية الاستقلال بدمائهم المختلطة، دون أن يسأل أحد عن عرق أو لغة الآخر.  

اليوم، ومع كل هذا الإرث العظيم، تظهر أصوات تريد أن تحوّل التنوع الثقافي من نعمة إلى نقمة، فتبث خطابًا مسمومًا يصور الأمازيغية والعربية كعدوين لا كشريكين في بناء الوطن. هذه الأصوات لا تأتي من فراغ، بل هي جزء من مخطط أكبر يهدف إلى إضعاف الجزائر من الداخل، عبر شق الصف الوطني وتشتيت الجهود في صراعات هوياتية مزيفة.

فبدلًا من أن يكون التنوع مصدر قوة، يسعى البعض إلى تحويله إلى سلاح للتفرقة، مستغلين بعض المطالب المشروعة لتحقيق أهداف غير وطنية.

إنهم ينسون، أو يتناسون، أن الجزائر لم تبنَ إلا بوحدة أبنائها، وأن أي محاولة لتمزيق هذه الوحدة هي ضرب لمستقبل البلاد بأكملها.  

ولكن الحقيقة التي يجب أن تعلو فوق كل هذه الضوضاء هي أن الهوية الجزائرية أكبر من أي تصنيف ضيق.

فالشعب الجزائري، بكل مكوناته، أثبت عبر التاريخ أنه قادر على تجاوز كل محاولات التقسيم، لأن ما يجمعهم أقوى بكثير مما يفرقهم. فالإسلام، كعقيدة جامعة، والتاريخ المشترك من الكفاح، والأرض التي تحتضن الجميع بلا تمييز، كلها عوامل تصنع وحدة لا يمكن كسرها بسهولة.

والأهم من ذلك هو الوعي بأن المستقبل لن يُبنى إلا بالتآخي والتعاون، فالتحديات التي تواجه الجزائر اليوم، سواء على المستوى الاقتصادي أو الأمني أو الاجتماعي، تتطلب وحدة الصف وتركيز الجهود، بدلًا من إهدار الطاقة في صراعات جانبية.  

إن الدفاع عن الوحدة الوطنية ليس خيارًا، بل هو واجب على كل جزائري، لأن في هذه الوحدة ضمانة لبقاء الوطن قويًا ومتماسكًا. فبدلًا من التركيز على ما يفرق، يجب تعزيز ما يوحد، من خلال التربية على احترام التنوع، وترسيخ ثقافة الحوار، ورفض أي خطاب يروج للكراهية أو الاستعلاء.

فالجزائر ليست عربية أو أمازيغية فقط، بل هي الاثنان معًا، وهي أكثر من ذلك أيضًا، لأنها وطن لكل من يعيش على أرضها ويشارك في بنائها.  

في النهاية، تبقى الجزائر مثالًا يحتذى به في كيفية تحويل التنوع إلى قوة، ولكن هذا الإنجاز ليس مضمونًا إلى الأبد.

فالأخطار التي تهدد الوحدة الوطنية حقيقية، والمؤامرات لتفكيكها ليست خيالية، لذلك، فإن مسؤولية الحفاظ على هذا النسيج الوطني تقع على عاتق الجميع، من المثقفين إلى السياسيين، ومن الأسرة إلى المدرسة، ومن الإعلام إلى المجتمع المدني.

فالوحدة ليست شعارًا نرفعه في المناسبات، بل هي ممارسة يومية تبدأ بالاعتراف بالآخر، واحترام اختلافه، والعمل معًا من أجل مصلحة الوطن.

فقط عندما ندرك أن قوتنا في وحدتنا، سنكون قادرين على صد أي محاولة لتفريقنا، وسنضمن مستقبلًا مشرقًا للأجيال القادمة، في جزائر تظل دائمًا كما أرادها شهداؤها: موحدة، قوية، وفخورة بتنوعها.

شارك رأيك

التعليقات

لا تعليقات حتى الآن.

رأيك يهمنا. شارك أفكارك معنا.

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2025.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2025.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services