1377
0
الدكتور محمد هدير :"الجزائر تحتاج لترسانة إعلامية قوية جدا، وحين يتعلق الأمر بمصالح الوطن على الصحفيين أن يتخندقوا مع سياسة الدولة "
في حوار خاص لبركة نيوز
محمد هدير أستاذ محاضربالمدرسة العليا للصحافة ببن عكنون، اشتغل نائب مدير المدرسة مدير الدراسات مكلف بالشهادات ورئيس اللجنة العلمية، درس بمعهد علوم الاعلام والاتصال ببن عكنون؛ تحصل على الماجستير ثم انتقل الى الولايات المتحدة الامريكية، وتخصص بالاتصال السياسي والسلوك بجامعة تكساس سان أنطونيو، ثم رجع للجزائر لمناقشة اطروحة الدكتوراه تحت عنوان "صناعة الخبر في الميديا الأمريكية " دراسة حالة حول "قناة فوكس نيوز" اليمينية المتطرفة التي تشتغل على صناعة الايديولوجيا.
حاولنا من خلال لقائنا بالدكتور محمد هدير طرح الكثير من المسائل التي تخص الوطن وما يواجهه من تحديات بالإضافة إلى تسليط الضوء على واقع الاعلام اليوم ودوره الحيوي في مجابهة تلك التحديات.
حاورته زهور بن عياد
تفصلنا أيام عن ذكرى استرجاع السيادة الوطنية، في رأيكم ماهي المكاسب التي تحققت اليوم في جزائر الاستقلال؟
من خلال تدريسي لعدة مقاييس في بعض المعاهد والجامعات جعلني أكتشف ماهية الجزائر وعلى رأسها الملفات السياسية الكبرى، مثلا نظرية بناء الدولة وهذا يعني أن الجزائرفعلا دولة فتية، وهي تجربة خاصة لأنها أخذت الإسقلال عنوة من أكبر قوة استعمارية.
في سنة 1988 حدث ربيع جزائري وانجرعنه ميلاد دستور 1989 الذي يعتبرمنعرج خطير في تاريخ الدولة الجزائرية، وبناءا عليه ظهرت الديمقراطية والتعددية الاعلامية وتم الخروج من السياسة الحزب الواحد.
لكن ما لم تستطع تحمله الدولة آنذاك الظروف الإقتصادية والظروف السياسية الدولية والمحلية، فالدولة الفتية كانت قاب قوسين أو أدنى من الإنهيار، ولكن تجاوزت تلك الظروف، وتعتبراليوم دولة رائدة في مجال الديمقراطية حب من أحب وكره من كره، رغم ما انجر عن دستور 1989 والعنف الذي تولد عنه، أي العشرية السوداء وانهيار الاقتصاد الجزائري وحصار من طرف الأعداء والأصدقاء، إلا أن الجزائر خرجت من هذه الأزمة، وهي اليوم تملك توجه خاص، فهي دولة اجتماعية مئة بالمئة ،تدعم الطبقات الهشة، تتيح مجانية التعليم والصحة، ولها مواقف دولية مشرفة كالوقوف مع القضايا العادلة ودعم حركات التحرر في العالم وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، تنادي بالسلام والامن وتقف دائما الى جانب الدول الضعيفة والشعوب المضطهدة وهذه المعايير اختفت في عهد العولمة.
لو تحدثنا على بداية الحراك وتولي الرئيس تبون مقاليد الحكم، ماهي الإنجازات التي تحققت في البلاد؟
لقد ورث الرئيس تبون تركة مريضة من جراء التجارب التي مرت بها الدولة الجزائرية، كما أن الحراك كان قاب قوسين أو أدنى للعصف بالدولة، ثم أزمة دولية أخرى وهي الكوفيد، وكان الأمرعلى نفقة الدولة من توفير الأدوية، و صب الرواتب ورأينا أن بعض الدول التي كانت تحسب على الدول المتقدمة، عاشت في تلك الفترة أزمات كثيرة، إلا أن الجزائر اجتازت هذه الأزمة بفضل القيادة الحكيمة.
فقد فتح الرئيس ورشات متعددة وهذا يحسب له ويتطلب الكثيرمن الشجاعة، عدل الدستور وتحدى من كان يقف ضد هذه الإصلاحات وحلّ البرلمان الذي جاءت أغلبيته من خلفية مالية أي طغيان الفساد المالي على السياسة،وقد حسمها بالقوة والارادة ، فتح المجال أمام الشباب بالمجالس المنتخبة وحصلت القوائم الحرة على أغلبية في البرلمان، وشكل مجالس كانت غائبة مثل المجلس الأعلى للشباب والمرصد الوطني للمجتمع المدني، وحاول زرع دم جديد في الدولة الجزائرية.
وعلى المستوى الدولي حافظ على السياسة الخارجية للجزائرمنها نصرة قضية فلسطين والقضايا العادلة في العالم.
ماهي أكبرالتحديات التي تواجه الدولة الجزائرية اليوم وماهي سبل التصدي لها ؟
من التحديات التي تواجهنا، أن العالم اليوم يعيش مخاضا عسيرا، هذا المخاض يصعب على الخبراء والسياسيين معرفة كيفية التموقع على الخارطة الجديدة، والدليل هو أن الأزمات أصبحت السمة الغالبة للعصر الحالي وعلى رأسها الحرب في أكرانيا التي لم تنتهي إلى اليوم والحرب في غزة، والتي أكدت على أن المنظومة العالمية غير قادرة على حلحلة الأزمات، والتي اصبحت تنتقل من مكان لآخر، والعالم يشهد انهيار في منظومة القيم والكيل بمكيالين خاصة في التعامل مع قضية فلسطين، وهذا ينبأ أن العالم يعيش مخاضا عسيرا لا يعرف أين يتجه خاصة بعد نهاية الأحادية القطبية وظهور تكتلات جديدة اقتصادية للبحث عن عملة خارج الدولار، وهذا يجعل الجزائر تبحث عن حلفاء تقلديين واستراتيجيين.
أماعن الجبهة الداخلية هناك رهانات أخرى، لا بد من إيجاد آليات لتقوية اللحمة الداخلية مع الحفاظ على مكتسبات الديمقراطية التي حققتها الجزائر، وهنا أقول أن نظرية المؤامرة ليست نظرية تخويف، بل نظرية حقيقية لأن الجزائر بعد ما سمى بالربيع العربي باتت الدولة الوحيدة الصامدة والتي مارست سلوكها الانتخابي بمؤسسة عسكرية قوية تقوم بمهامها الدستورية، وهذا ازعج الكثير من الدول.
وهذا يتطلب منا وعيا كبيرا بما يحيط بالجزائرمن مخاطر للمحافظة على هذه المكتسبات ناهيك عن الخيرات والإرث التاريخي الذي تتمتع به،فعلى جميع الجزائريين أن يتصدوا لهذه المخاطر بكل أطيافهم.
التطاول على الذاكرة الوطنية، كشف لنا أهمية الإعلام الالكتروني العابر للحدود لمجابهة هذه الحملات، ماهي سبل النهوض بهذا القطاع؟ وكيف لنا أن نربط جيل اليوم بتاريخه؟
التطاول على الذاكرة والقيادة الجزائرية والرموز الوطنية، يدخل ضمن الحرب النفسية التي تتعرض لها الجزائر منذ سنين، ولكن مع ظهورالإعلام الإكتروني زاد هذا التطاول، وهذا يعني علينا تفعيل القوانين لحماية الذاكرة والرموز الوطنية، فالتساقط الإعلامي عبرالفضائيات المفتوحة، أكد لنا أننا أصبحنا نعيش زمن انتشار رهيب للمعلومة وانتشارالمونتاج المفبرك والمحتوى المزيف، خاصة وأن المواطنين ليس لهم نفس الإدراك في تحليل المعلومات، وهذا كله محاولة لفسخ الجزائريين عن ذاكراتهم ومقوماتهم وتاريخهم المجيد إبتداءا من الأميرعبد القادر إلى الشهداء الأبرار إلى القيادة الحالية.
وهذه حرب نفسية تهدف لخلق عدم الرضا عن القيادة والتمرد عليها، لأنهم أدركوا أن المؤسسة العسكرية صخرة صماء في المجتمع الجزائري لا يمكن زعزعتها من الثورة الى اليوم.
الجزائر تملك ترسانة من الإعلاميين ولكن لا بد من التفعيل والتنظيم على غرار الدول المتقدمة، ولابد كذلك من صناعة محتوى، هناك تضخم في عدد الصحفيين في المؤسسات العمومية، إلا أن الانتاج ضئيلا جدا، لذلك فصناعة المحتوى هوالرهان لأن من يتحكم فيه يصنع المعلومة والرأي العام.
علينا صناعة محتوى حقيقي يتناول تاريخ الجزائروأبطالها نردع به كل الأخبار المزيفة والمؤامرات التي تحاك ضدنا، فالجزائر تحتاج إلى ترسانة إعلامية قوية لمواجه الأخطار التي تحدق بها.
نلاحظ أن الشباب لهم علاقة قوية بالذاكرة ومن يقوال عكس ذلك فهو مخطأ لأننا صنعنا صورة نمطية خاطئة.
فالشباب كثيرا ما يلجأ للتاريخ كلما تظهرله الضبابية في بعض المسائل، وهذا ما نلمسه كذلك في عدد الشباب الزائرين للمتاحف الشباب والمطلعين على الكتب التاريخية،فالشباب مربوط بتاريخه وكل ما يتعرض لأزمة يزيد ارتباطا به.
لو أردنا تقييم المشهد الاعلامي في الجزائر، ماذا تقولون في هذا المضمار؟
الجزائر لها تجربة إعلامية خاصة لكن في النقاشات والمؤتمرات العربية نجد التجربة الجزائرية غائبة في المناقشة وهذا أمرا محرجا.
بعد دستور 1989 وصدور قانون1990 انتعش المشهد الإعلامي بغض النظرعن تجاوزات الصحفيين الذين خرجوا من التفكير الأحادي إلى التفكير الحر، الذي سمح بإنشاء مؤسسات خاصة بلغت151 مؤسسة، واليوم نحصي أكثر من 520 جريدة مكتوبة والكترونية.
أما عن العيوب الموجودة فالتشريع جاء متأخرا مقارنة بظهورالإعلام الإلكتروني وهذا ما جعلنا نعيش الفوضى، لكن القانون الحالي جاء ليطهر القطاع من الدخلاء والمال الفاسد وتأثير المال الاجنبي وهذه مكاسب كبيرة.
ثانيا لا بد كذلك من تفعيل دور الصحفيين ليتشكلوا في نقابات وعليهم تأسيس مجلس أخلاقيات المهنة وميثاق أخلاقيات المهنة، لضمان عمل احترافي وهذا لا يتأتى من طرف الدولة، ونتحول من منح بطاقة الصحفي من وزارة الاتصال إلى مجلس أخلاقيات المهنة، لأن الصحفي هو طبيب المجتمع ولا يمكن لأي من هب ودب أن يدخل هذا القطاع الحساس.
بريجينسكي كان مستشار الأمن القومي في الولايات المتحدة، يقول لما ظهر السمعي البصري لولا الدستور الذي كان يضمن الوحدة الأمريكية واللغة الانجليزية، لتعرضنا إلى تقسيم المجتمع الامريكي إربا إربا.
ونلاحظ في دول الجوار وما حدث في ليبيا والعراق في 2003، حيث ظهرت قنوات قسمت المجتمع العراق.
ولما جاء الامريكين الى العراق لم ياتي بريمروحده كحاكم عسكري، بل جاء ب 150 قناة لتقسيم المجتمع العراقي بين الشيعة والسنة وطوائف أخرى إلى اليوم، فالتناحر اليوم سببه التبعية للإعلام الأجنبي.
نبقى في المشهد الإعلامي وما نلمسه من مشاكل كثيرة تعتري قطاع الاعلام ولا سيما الالكتروني، ماهي الحلول التي تقترحونها ؟
الدولة الجزائرية اجتماعية وحتى الصحافة استفادت من الدولة، وبالنسبة للتكوين فهو إجباري بالنسبة للمؤسسات الاعلامية لأنه يضمن الإستمرارية ويوضح خطوط التماس أين تقف المؤسسات الاعلامية مع مصالح الدولة.
لايمكننا أن نتكلم على حرية الصحافة ونتغاضى على قضايا كبرى منها الذاكرة الوطنية وخصوصية المجتمع الجزائري، هناك من استغل حرية التعبير لينتقد رموزالدولة ويشكل محاكمات تاريخية، هذا فعلا تطاول على الذاكرة خاصة وأن الجراح التي عاشتها الجزائر مازلت لم تلتئم بعد.
فالتكوين ضروري، لذلك نجد في المؤسسات الإعلامية الكبرى، قسم خاص بالبحث والتطويرلأن هذا ما يجعل المؤسسة الإعلامية قائمة، فالكادرالصحفي حين يصل إلى درجة الاحترافية يبعد المؤسسة من الوقوع في المشاكل، وقد لاحظنا أن الصحفيين الذين يفتقدون للتكوين كيف تسببوا في غلق مؤسساتهم.
مايحدث في فلسطين يجعلنا نفكر في انشاء منظومة إعلامية قوية لما لمسناه من دور الاعلام في صناعة الرأي العام وتغييرالمواقف والتأثير على القرارات؟
ما حدث في فلسطين فضح وسائل الإعلام الثقيلة التي تكل بمكيالين وفي هذا المضمار لدى كتاب يتحدث عن المؤسسات الاعلامية الكبرى المنحازة لإسرائيل في تغطية الأحداث، فحين يقتل مئات الفلسطنيين وكأنه لا حدث وحين يقتل يهودي تقوم الدنيا ولا تقعد، وكأن الأمر صار بمثابة عملة، يهودي يساوي عشرات الفلسطنيين،وهذه سياسة صناعة التمييز العنصري عن طريق وسائل الإعلام.
وقد لاحظنا في حرب الخليج الآولى كيف انفردت قناة "السي أن أن" بصناعة الخبر بالتغطية الإعلامية،وحين ظهرت قناة الجزيرة أربكت السلطات الأمريكية لدرجة محاولة قصفها، وافتكت السيطرة الإعلامية من الولايات المتحدة.
لولا قناة الجزيرة لما عرفنا ما يحدث في غزة، وهذا رهان آخر يبرهن على أن الاذرع الإعلامية لما تكون قوية، يمكن أن تعطى لنا معطى جديد، مفاده أن السوشال ميديا غير موثوق بها، لأنها تعمل على اجترار الأخبار التي تنشر في القنوات الكبرى.
واليوم الجزيرة أصبحت مصدرا لكل المعلومات لأنها تملك مراسلين في مختلف مناطق العالم، لدرجة تمكنها من نقل المعارك على المباشر، وهذا أربك الصهاينة ونور الرأي العام بما يحدث، وشكل التعاطف الدولي الذي مس الجامعات الامريكية والشعوب الأوروبية.
كلمة أخيرة توجهونها لأصحاب المؤسسات الاعلامية والصحفيين على حد سواء؟
ندائي إلى كل الإعلاميين سواء المالكين أوالصحفيين أن مسؤوليتهم كبيرة أمام التاريخ وما تحتاجه الدولة الجزائرية والمجتمع الجزائري.
فالإعلام يتحمل المسؤولية، فليس كل خبر قابل للنشر وليس كل ما يعرف ينشر، ولابد أن نراعي الخصوصية الوطنية.
وإذا كان الأمر يتعلق بالأمن والدبلوماسية والمصالح الاقتصادية، لابد للإعلاميين أن يتخندقوا في خندق واحد مع سياسة الدولة.