193
0
البوليساريو ليست إرهابًا... بل شعب يناضل من أجل الحرية والكرامة والسيادة

بقلم: بن معمر الحاج عيسى
في تطور يثير القلق والاستغراب معًا، تحاول بعض الأصوات داخل الكونغرس الأمريكي الدفع نحو تصنيف "جبهة البوليساريو" كمنظمة إرهابية، مستندة إلى ادعاءات واهية عن صلات مزعومة بحركات مثل "حزب الله" و"حماس" و"إيران"، في محاولة سياسية واضحة لتشويه كفاح شعب كامل من أجل تقرير مصيره، وتجاوز كل قرارات الأمم المتحدة والمواثيق الدولية التي تؤكد على حق الصحراويين في الحرية والاستقلال.
لكن ما يجري ليس مجرد محاولة تشريعية عابرة، بل هو جزء من لعبة معقدة تستخدم فيها أدوات الضغط السياسي والإعلامي والاقتصادي من أجل إخماد صوت شعب يرزح تحت الاحتلال منذ ما يقارب نصف قرن، وتحويل قضيته العادلة إلى ملف أمني مفبرك يخدم أجندات قوى إقليمية ودولية لا مصلحة لها في انتصار القانون والعدالة.
والسؤال البديهي الذي يطرح نفسه هنا هو: كيف لجبهة تحظى باعتراف الأمم المتحدة كشريك في عملية السلام، وتتم دعوتها باستمرار إلى المفاوضات، أن تُصنّف كمنظمة إرهابية؟ جبهة البوليساريو ليست جماعة خارجة عن القانون، بل حركة تحرير وطني معترف بها دوليًا، تأسست سنة 1973، وقادت نضالًا طويلًا من أجل استقلال الصحراء الغربية، أحد آخر الأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي المسجلة على أجندة تصفية الاستعمار في الأمم المتحدة.
الجبهة تشارك في العملية السياسية التي تشرف عليها الأمم المتحدة، وتوقّع على اتفاقيات وقف إطلاق النار، وتدير مخيمات اللاجئين في تندوف بالتعاون مع منظمات أممية ودولية معروفة.
إن محاولة تصنيف البوليساريو كـ"إرهابية" تعني عمليًا أن الأمم المتحدة تُحاور "الإرهاب"، وأن المنظمات الإنسانية التي تعمل مع اللاجئين الصحراويين تقدم الدعم للإرهاب، وهو أمر يناقض منطق القانون الدولي، ويُفقد القرار ـ إن مرّ ـ أي شرعية أو موضوعية. والادعاءات حول وجود دعم إيراني أو علاقات مع حزب الله أو حماس لا تستند إلى أي وثائق أو أدلة ملموسة، بل إن عشرات المنظمات غير الحكومية الأمريكية، بعضها ديني الطابع، تنشط في مخيمات تندوف منذ سنوات، وتقدم خدمات تعليمية وصحية واجتماعية، ولم تسجل يومًا وجود أي نشاط متطرف أو تغلغل لمجموعات أجنبية.
بل إن اللاجئين الصحراويين أنفسهم يشكلون إحدى أكثر الفئات انفتاحًا في المنطقة، بحكم احتكاكهم الدائم مع الوفود الأجنبية والمنظمات الأممية، وهم يعيشون منذ عقود في ظروف من العزلة والانتظار، لا يحملون السلاح إلا دفاعًا عن أرضهم، ولا ينتمون إلا لقضيتهم الوطنية، بعيدًا عن أي أجندات إقليمية أو طائفية. جبهة البوليساريو ليست مجرد حركة مقاومة، بل تمثل التعبير السياسي والمؤسساتي لشعب له الحق في تقرير مصيره. هذا الحق ليس رأيًا سياسيًا، بل هو مبدأ قانوني أصيل، نصت عليه المادة الأولى من ميثاق الأمم المتحدة، وأكده قرار الجمعية العامة 1514 حول "منح الاستقلال للبلدان والشعوب المستعمَرة"، وتكرّس في عشرات القرارات الصادرة عن مجلس الأمن والجمعية العامة.
إن تصنيف أي حركة تحرر وطني كـ"إرهابية" يمثل خرقًا صارخًا لهذا المبدأ، ويمثل تهديدًا مباشرًا للمنظومة القانونية الدولية التي قامت على أنقاض الاستعمار، ويعيدنا إلى منطق الإمبراطوريات القديمة التي ترفض الاعتراف بحقوق الشعوب في الحرية والكرامة والسيادة. وما يحدث في واشنطن اليوم يعكس ازدواجية خطيرة في المفاهيم. فبينما تُمنح "إسرائيل" الغطاء الكامل لممارسة القتل الجماعي والاحتلال والتمييز العنصري ضد الفلسطينيين، ويُمنح النظام المغربي الغطاء لقمع الصحراويين واحتلال أرضهم، يتم في المقابل شيطنة الشعوب المقهورة والمجتمعات التي تطالب فقط بحريتها.
هذا الابتذال لمصطلح "الإرهاب" لم يعد مجرد تضليل، بل بات أداة لإسكات الصوت الآخر، وتشويه نضالات الشعوب العادلة، والتغطية على الجرائم الحقيقية التي تُمارس باسم "السيادة" و"الشرعية".
والواقع أن واشنطن لا تخشى "تهديدًا أمنيًا" من البوليساريو، بقدر ما تخشى أن تستمر هذه القضية في إحراجها أمام الرأي العام العالمي. فالدعم الأمريكي المعلن للموقف المغربي، منذ اعتراف إدارة ترامب بسيادة الرباط على الصحراء، جعل واشنطن في موضع المتناقض مع القانون الدولي، بل ومع مواقف حلفائها الأوروبيين الذين يرفضون هذا الانحياز. تصنيف الجبهة كمنظمة إرهابية سيكون بمثابة هروب إلى الأمام، محاولة لطمس أخطاء السياسة الخارجية الأمريكية، وإضفاء طابع أمني على قضية سياسية محضة، وهو ما لن تقبله لا الأمم المتحدة، ولا الاتحاد الإفريقي، ولا القوى الحقوقية في العالم.
إن ما يحدث اليوم اختبار لمصداقية النظام الدولي. فإما أن تظل الشعوب المستضعفة تؤمن بأن القانون يمكن أن ينتصر يومًا، أو أن تتحول المؤسسات الدولية إلى أدوات تبرير للغلبة والسيطرة.
جبهة البوليساريو لا تحتاج إلى شهادة براءة من أحد، فهي تقف منذ عقود في الميدان، تقود شعبًا بأكمله، وتحمل راية قضية عادلة تعترف بها عشرات الدول وتحتضنها المواثيق الدولية. أما محاولات التشويه والتصنيف، فهي فقاعات سياسية سرعان ما تتبدد أمام ثبات المبدأ، وقوة الحق، وإصرار شعب بأكمله على ألا يُدفن صوته تحت ركامع الدعاية والتحريض.