203
0
الأسباب التي ستعجل المواجهة داخل الكيان الصهيوني
بقلم: نضال خضرة/ باحث ومختص فى الشؤون الصهيونية
العديد من الأسباب التي ستعجل المواجهة الداخلية في الكيان الصهيوني وذلك في إطار الاستشراف، وبناء على المعطيات التي تشير الي تحول الكيان الصهيوني من دولة علمانية ديمقراطية الي دولة ثيوقراطية خلال العشرين عام القادمة.
حرصت الحركة الصهيونية، منذ العام 1948 على العمل على تأسيس دولة علمانية ديمقراطية، وهذا كان بالتنسيق مع المنظومة الغربية الاستعمارية التي أوجدت كيان الاحتلال، وتعد الحليف الاستراتيجي لإسرائيل، وهذا القرار كان له عدة أبعاد إستراتيجية، لخدمة الكيان الصهيوني، أبرزها تقديم نموذج لدولة علمانية ديمقراطية، تحاكي الأنظمة السياسية في الولايات المتحدة الأمريكية، واوروبا، ليكن نظاماً نموذجياً في منطقة تصنف من دول العالم الثالث، ليتمكن الكيان الصهيوني من إظهار هذا النموذج العلماني الديمقراطي المتقدم، لتجمل صورتها العنصرية الإجرامية القبيحة، امام العالم، إضافة لمراعاة طبيعة المهاجرين القادمين من مجتمعات مختلفة، ويحملون ثقافات مختلفة، و ينتمون لأيديولوجيات مختلفة، إضافة لرفض اليهود الأرثوذكس الحريديم لفكرة الدولة في بدايات التأسيس لأسباب دينية.
هذه الأسباب دفعت الحركة الصهيونية العلمانية في حينه لإتباع سياسة التوازن والاحتواء لهذه المكونات المختلفة في المجتمع الإسرائيلي، بهدف الوصول للهدف بتأسيس دولة علمانية ديمقراطية ببعد ديني يهودي داعم للأيديولوجيا الصهيونية، والعمل على إقناع اليهود الأرثوذكس"الحريديم" الرافضين لفكرة الدولة وصولاً لاتفاق"الوضع القائم"الذي تم بين بن غوريون و التيار الديني الأرثوذكسي، ممثلاً بحزب"اغودات يسرائيل"عشية الإعلان عن قيام الدولة العبرية.
وكان بن غوريون يهدف من هذا الاتفاق إلى ضمان تأييد الأرثوذكس المتدينين، لقيام الدولة وعرض موقف مُوحد لليهود الموجودين في فلسطين الانتدابية من القرار، تضمن اتفاق"الوضع القائم" تسويات، تضمن الحفاظ على مكانة الدين اليهودي وتعاليمه في دولة الكيان الصهيوني، والحفاظ على تعاليم يوم السبت بما في ذلك اعتبار السبت الإجازة الرسمية المقدسة، ومنع عمل المواصلات العامة، والتجارة وغيرها يوم السبت، والحفاظ على الطعام الحلال حسب الشريعة اليهودية (كوشير)؛ وبناء جهاز تعليمي خاص للمتدينين وتبنّي المنظومة الدينية في شؤون الأحوال الشخصية، مقابل التزام الحرديم بالعمل على دعم وتعزيز الأيديولوجيا الصهيونية من خلال الدين لتكون الصهيونية ببعد ديني توراتي، مقابل إعفائهم من الخدمة في الجيش والأمن، والمشاركة السياسية في الدولة، مع عدم التدخل في سياساتها في مؤسساتها تشكيلة المجتمع الإسرائيلي، يتشكل المجتمع الإسرائيلي من يهود. وعرب، ودروز ، وبعض الأقليات،حقيقة المجتمع الإسرائيلي، بحسب وصف الكثيرين من المؤرخين اليهود بأنه عبارة عن فسيفساء صغيرة منقسمة لعدة انقسامات، عرقية أيديولوجية سياسية اجتماعية، واقتصادية. المجتمع الإسرائيلي يتشكل من يهود ،وعرب، ودروز، وبعض الأقليات، واليهود في المجتمع الإسرائيلي يشكلون 74% ، وما تبقى من عرب يشكلون 23% ، إضافة الي الدروز والأقليات الذين يشكلون 3% .
المجتمع اليهودي، ينقسم الي مهاجرين من ثقافات متعددة وأيديولوجيات متعددة ومختلفة، شرقية وغربية، يمينية ويمينية دينية ويمينية دينية قومية، إضافة للعلمانيين، واليساريين.
ويعاني المجتمع اليهودي من الانقسامات الدينية مثل "الخلافات بين الأرثوذكسية الدينية" و"الأرثوذكسية الدينية القومية"
الى جانب الخلافات بين المتدينين بالعموم، مع العلمانيين، واليساريين والعرب، والدروز، والأقليات، واللا دينيين، على حد سواء اضافة للخلاف بين مجمل ما تم ذكره من اليهود مجتمعين، بمختلف توجهاتهم وتناقضاتهم، مع العرب والمسيحيين والدروز، والملحدين، الذين يشكلون ما نسبته26%من السكان.
هذه الانقسامات ستؤدي لمزيد من الكراهية في المجتمع الإسرائيلي لا سيما في ظل تصاعد قوة اليمين" واليمين الديني والقومي في الدولة، ومحاولة اليمين السيطرة على مؤسسات الدولة وتحديداً "القضاء والجيش والأمن" في ظل فشل العلمانيين في التصدي لليمين، بسبب تراجع قوتهم ونفوذهم في المجتمع الاسرائيل، برغم أنهم يشكلون النخبة السياسية والعلمية في الدولة ومسيطرين علي قطاع المال والأعمال ونسبتهم كانت تتجاوز 80% في المجتمع اليهودي، لكن نسبتهم اليوم بدأت تتراجع الي ان وصلت 41% في اسرائيل، ومازالت تتراجع اكثر بسبب الهجرة المعاكسة من الكيان الصهيونى، مقابل تصاعد قوى اليمين، واليمين الديني والقومي في المجتمع الإسرائيلي، لتتجاوز نسبتهم اكثر من 50 % اضافة للمهاجرين الجدد الذين بدأوا بالعودة لكيان الاحتلال بعد أحداث السابع من اكتوبر بسبب تصاعد العداء لليهود في الغرب، سيما من فئة اليهود المتدينين والقوميين والذين سيساهمون تباعاً بتصاعد قوى اليمين وصولاً للهيمنة على مؤسسات الدولة المتمثلة، في "القضاء والجيش والأمن" لفرض رؤيتهم التوراتية ببعدها الديني والسياسي سواء بحسم الصراع مع السكان الأصلين من غير اليهود، والسعي لتحقيق الحلم التوراتي، دولة الكيان اليهودى من النيل الي الفرات، إضافة للبعد الديني وفرضه على المجتمع الإسرائيلي، من قدسية السبت، وإغلاق للنوادي الليلية، وبيوت الدعارة، ومهاجمة المثليين واحتشام المرأة، والفصل بين الجنسين في الأماكن العامة ، وفرض التعليم الديني في المدارس، والجامعات، والكنس في معسكرات جيش الاحتلال الإسرائيلي. كل هذا الخلافات كانت موجودة لكنها بقيت كامنة، في المجتمع الإسرائيلي لعدة أسباب، ويتمثل السبب الأول في القاسم المشترك الذي اجتمع عليه اليهود بمختلف توجهاتهم و بمجمل تناقضاتهم، والذي يتمثل بالكراهية لكل من هو موجود على ارض الكيان من مواطنين في الدولة من غير اليهود، حتى الموالين منهم للدولة ولاء مطلقا، والرغبة في حسم الصراع مع السكان الأصليين من الفلسطينيين، الذين صمدوا وثبتوا على الأرض، ولم يهاجروا.
اما السبب الثاني وهو الأهم والمتمثل في مؤسسات الدولة لا سيما مؤسسة القضاء، التي تتمتع بالسلطة المطلقة في الدولة، والموصوفة بالنزاهة، التي شكلت ضمانة لكل مواطني الدولة، بالحرية والمعتقد الديني والعدالة الاجتماعية. ثيوقراطية الدولة، ستدفع واليمين ،واليمين من المتطرف من الصهيونية الدينية والقومية، لتحجيم القضاء كأعلى سلطة في الدولة والتي شكلت طيلة 76 عام حماية لتماسك هذا الفسيفساء منذ قيام الدولة، ليصبح القضاء تباعاً من سلطة مطلقة في الدولة، الي سلطة هامشية ثانوية تحت سيطرة السلطة التنفيذية.
إضافة لاحد الأسباب التي ستعزز المواجهة، في حال سيطرة اليمين على مؤسسات الدولة، الصراع على هوية الدولة التي أرساها القادة المؤسسون العلمانيين، بدعم من المنظومة الغربية، للأسباب التي ذكرت أعلاه أيضا من الأسباب التي ستساهم في تصاعد المواجهة الانقسامات الداخلية، الأيدلوجية الاجتماعية والاقتصادية في ظل غياب العدالة الاجتماعية، بين "اليهود والعرب من جانب واليهود والأقليات الأخرى من جانب آخر. من الواضح ان "القوى اليمينية" والصهيونية الدينية "والصهيونية الدينية القومية" ذاهبون لهدم وردم الدولة التي أنشأها المؤسسون الأوائل والتي شكلت نموذج في الديمقراطية والعدالة الاجتماعية واستقلالية القضاء النزيه، الذي تفاخر به دولة الاحتلال الصهيوني، والمصنف دوليا من انزه القضاء في العالم، مقابل إنتاج دولة ثيوقراطية يحكمها مجموعة من الإرهابيين المنبوذين في العالم أمثال ايتمار بن غفير، بتسلئيل سموترتش، هذه الدولة المرتقبة ستساهم في تعجيل الخراب الثالث.