297

0

العلامة محمد أحمد الراشد، كما عرفناه في أوروبا و تربينا على كتبه

بعد أن ضاق به عالمنا العربي، ترجل فارس فقه الدعوة و الدعاة ليموت مهاجرا..!!

 

مصطفى محمد حابس: جنيف / سويسرا

 

رحل عنا هذا الأسبوع، إلى الدار الآخرة شيخنا العلامة المفكر محمد أحمد الراشد، العراقي المولد، وهو في السادسة والثمانين من عمره، قضاها جلها في ساحات الدعوة وثغور الإصلاح الفكري والتربوي والاجتماعي، في العديد من دول العالم الإسلامي و الغربي، ومسيرته الفكرية لم تكن مفروشة بالورود بل بالصعاب والمعوقات ، فقد مر بحصار و تضييق و المتابعة و السجن، إذ أن بعض دول عالمنا العربي ضاقت به في العقود الأخيرة كما ضاقت بغيره من المصلحين الرساليين، فتنقل مكرها من بلده العراق الى الكويت ، الى غيرها من ارض الله الواسعة، ليموت مهاجرا في الغربة، في ماليزيا تحديدا، ويدفن في عاصمتها، كوالالمبور ظهر يوم الثلاثاء 27 أوت 2024م، الموافق لـ 21 صفر 1446هـ، بحضور حشد كبير من المسلمين وسلطات هذا البلد

المضياف.

 

العلواني و الراشد مفخرة عراق دجلة و الفرات 

 

ونحن نترحم على روحه في أحد ندوتنا، يوم أمس، تبادر الى ذهني أن هذه الموتة شبيهة بموتة شقيقه العراقي الآخر ، و العراق أرض علم و علماء دون منازع، شيخنا العلامة المفكر الأصولي طه جابر العلواني (1935-2016)، الرئيس الأسبق للمعهد العالمي للفكر الإسلامي بأمريكا، الذي فاضت روحه إلى بارئها محلقة في سماء إيرلندا، على متن طائرة بين القاهرة والولايات المتحدة الأمريكية، مستكملا أجله المحتوم عن عمر ناهز الـ 81 سنة، محلقا في سماء الأرواح، بعد أن عاش محلقا في سماء الفكر والدعوة والإصلاح لا يعرف غيرها موطنا أو مستقرا كانت حافلة بالعلم والعطاء والتأليف ..

ومن عجائب الأقدار.. وحياة العلماء ورجال الفكر عموما، أنه في الوقت الذي كان خبر وفاة الشيخ طه جابر العلواني يتم تناوله سريعا بين وسائل الاعلام؛ كان إعلان آخر يتم تداوله عن محاضرة للمفكر أحمد الراشد حول “المنهجية الإسلامية للتعامل مع القرآن الكريم" في فكر علماء الأصول منهم العلامة العلواني، رحمهما الله جميعا.. !!

 

من عبد المنعم صالح العلي العزي الى محمد أحمد الراشد:

 

"محمد أحمد الراشد" هو اسمه الحركي، واسمه الحقيقي عبد المنعم صالح العلي العزي، ويكنى بـ"أبي عمار"، مفكر وداعية إسلامي كبير، وأحد أبرز مُنظِّري الدعوة الإسلامية المعاصر، ومن كبار مفكريها. تغرب قسرا وسجن سنين، كما أسلفنا. كان صاحب بديهة و طرفة، حكى لنا أحد الإخوة الذين لازموه في أوروبا، وبعد أن ماتت زوجته أم عمار، طلب من بعض الأفاضل، ليبحثوا له عن زوجة، فاقترحوا عليه سيدة كبيرة في السن، قريبة من الشيخوخة، إلا أنها لم تتزوج مطلقا.. فاستغرب الشيخ من اقتراحهم هذا، قائلا، لهم، "أنا طلبت منكم مساعدة لحل مشكلتي أنا، فاخترتم لي سيدة لحل مشكلتها هي" !! و بعد هذه القصة الطريفة طبعا تزوج الشيخ الراشد من سيدة فلبينية ومكث معها في حله و ترحاله الى اليوم .

 

 ومن طرائف الشيخ أيضا، كما حدثني أحد الاخوة الإمارتين اللاجئين في أوروبا، أنه، حضر يوما مخيما مع الشيخ الراشد في الكويت، و بعد حضور خطبة جمعة، ألقاها الشيخ طارق السويدان .. قال لهم الشيخ الراشد، نشاطنا، الآن، بعد أن سمعتم خطبة السويدان، أقترح عليكم خطبة ثانية بعد العصر، و اترككم تقارنوا بين الخطبتين، من كل الجوانب البلاغية، الموضوع و الأفكار ، إلخ.. وبعد أن القى الشيخ الراشد خطبته، دار نقاش حاد بين الطلبة، عن محتوى الخطبتين.. ولما، انتهى النقاش، قال لهم الشيخ الراشد، الفرق بين الخطبين، هي نقاط !!..كل ما سمعتموه مني في خطبتي لم استعمل فيه و لو حرف به نقطة !! إنها البراعة اللغوية التي لا يتقنها الى كبار العلماء ، و سادة القرطاس و القلم، أمثال الشيخ البشير الابراهيم، ومحمد صادق الرافعي صاحب "وحي القلم"، و أحمد حسن الزيات صاحب "وحي الرسالة"، ومصطفى لطفي المنفلوطي صاحب "النظرات و العبرات" و أحمد أمين صاجب " فيض الخاطر (10 أجزاء)" و الشيخ محمد الغزالي  الغني عن التعريف ، و المفكر الشهيد سيد قطب ومن على شاكلتهم !! 

من يقرأ كتب الراشد يرى بوضوح وجلاء تام أن كاتبها ليس مجرد داعية قضى عمره في الدعوة إلى الله ونشر العلم فحسب، وإنما يرى فيه أديباً يجاري كثيراً من كبار الأدباء في بلاغته، وهذا الأسلوب إنما جاء مع كثرة الاطلاع الأدبي وقراءة كتب الأدباء والشعراء؛

لذلك جاءت كتبه خليطاً مميزاً من الأدب والفقه والاستشهاد بأقوال السلف والخلف مع إيحاءات ثقافية روحية عامة لا تكاد تنفك عن كل كتاباته، التي يتولى هو شخصيا في رسم وتنميق أغلفتها بيده، وهذا ما لا يعرفه كثير من قراء كتبه و رسالاته التي فاقت الستين مؤلفا، و من مؤلفاته المطبوعة: "المنطلق"، "العوائق" ، "الرقائق" ، "صناعة الحياة"، "المسار"، "رسائل العين"

"مواعظ داعية"، "آفاق الجمال"، "موسوعة الدعوة والجهاد"، "عودة الفجر"، "الظاهرة القيادية"، و "آفاق الجمال" و غيرها.. طُبع بعضها في الجزائر في السنوات الأخيرة في دار الخلدونية و دور أخرى، كما كتبت ونشرت عن نهجه و أسلوبه رسائل و أطروحات عديدة، يضيق المجال لذكرها.

 

لذلك  كان الراشد أهلا لكتابة عشرات المؤلفات في الفكر و الأدب  والتربية وفنون أخرى، و حتى في السياسة، حيث أسس مجلس شورى أهل السنة والجماعة في العراق، وتنقل بين البلاد داعيا في الشرق والغرب، وتوفي رغم كل ذلك في المنفى بماليزيا، رحمه الله.

المفكر أحمد الراشد، كما عرفناه لما حل لاجئا في سويسرا ..

 

الشيخ أحمد الراشد لما حلا ضيفا على سويسرا، كان بالنسبة لجاليتنا المسلمة شخصية متميزة ومفخرة لدى أبناء الصحوة عموما و الجزائريين خصوصا ممن تربوا مثلنا على كتبه، وقد أوصانا شيخنا العلامة محمود بوزوزو(1918-2007)، أن نحتك به ونستفيد من علمه وخبرته تجاربه الثرية، لا بل حرص و بإلحاح، أن نعيد اقتناء وتدريس أمهات كتبه لشبابنا، و رغم أن العلامة الراشد كان قليل الحركة و يسكن في منطقة (كانتون) أراو الناطقة بالألمانية البعيدة جدا عن جنيف  و لوزان والمقاطعات الناطقة بالفرنسية، فقد تعلمنا منه مشافهة و نهلنا من علمه مرات معدودة متناثرة هنا و هناك، لأن الرجل كانت مسلطة عليه "كاميرات" مخبري الغرب والعرب، وحرصا منا على سلامته أثرنا أن تستفيد منه جاليتنا من كتبه وفكره، فيسر الله لبعض الاخوة الأفاضل أن أسسوا معه "دار المحراب للنشر" التي وفق فريقها المجتهد، في نشر بعض كتبه النفيسة المتداول اليوم بين الناس!!

 

" السيد س" الذي حارب مالك بن نبي و بساعي في فرنسا حارب الراشد في سويسرا

 

 " السيد س" الذي  طالما ذكر مكره وخداعه مالك بن نبي (1905-1973) في مؤلفاته، ونجى من شره مالك بن نبي وكان أستاذه حمودة بساعي (1902-1998) أحد ضحاياه في فرنسا، نفسه " السيد س" حارب الشيخ عصام العطار (1927- 2024) وقتل زوجته في ألمانيا و حارب إسماعيل الفاروقي (1921 - 1986) وقتله رفقة زوجته في أمريكا، و غيرهم كثير بسبب وحيد عملهم الدعوي الدؤوب لنشر الإسلام وثقافته في المجتمع الغربي!

ذاته " السيد س" هو الذي حارب و حاصر المفكر أحمد الراشد في العالم العربي في بلده العراق ثم في الكويت و أخيرا في الإمارات، ليواصل حصاره عليه حتى في بلاد الغرب في سويسرا الدولة المحايدة و الراعية لحقوق الانسان، بل وترغمه - هذه الأخيرة ، من باب مكرها أخاك لا بطل-، أقول أرغمته سويسرا - بإيعاز من السيد س- على المغادرة من هذه الديار الغربية، بعد سنتين من الإقامة المؤقتة، بحرمانه من حق اللجوء الإنساني العادي لا غير !!...  رغم ذلك ساعده بعض الأفاضل من الجزائريين المقيمين في هذه الديار، في نشر وطبع بعض كتبه الحديثة قبيل مغادرته سويسرا الى تركيا و ماليزيا!!

 

مؤلفات الراشد لترشيد الدعوة و الدعاة عبر الأجيال رغم الصعاب ..

 

 لا زلت أذكر أننا حرضنا في منابرنا الاخوة على اقتناء كتبه الجديدة و توزيعها في جل مساجدنا في أوروبا تعميما للفائدة، وكان يومها شيخنا محمود بوزوزو، رحمه الله، طلب من بعض طلبته من معهد الترجمة والمهتمين بالدعوة للانكباب لترجمة بعض كتب الراشد أو تلخيصها بالفرنسية و الانكليزية، كما كان قد طلب قبل ذلك بترجمة كتاب " نصف القرن من العمل الإسلامي (1945-1995)" لزميله المغفور له أستاذنا الكبير الدكتور توفيق الشاوي (رحمه الله)، هذا الأخير الذي أكرم كاتب هذه السطور وأعطاه النسخة الأصلية للكتاب - في موسم حج عام 1998- لمراجعتها و تحيين بعض تواريخها و أحداثها وقد استنجدت حينها بشيخنا العلامة محمود بوزوزو فيما يخص الفصول الأولى للكتاب الخاصة بالحركات الوطنية وشخصياتها في شمال افريقيا و فصول أخرى منها ملف قضية فلسطين، قبل نشر طبعتها الأولى من طرف دار "الشروق" (القاهرة/بيروت) عام 1419هـ/ 1998 م.. لكن ظروف آنية جعلت أعمال الترجمات التي شجعنا عليها الشيخ بوزوزو، تتعثر بعدم التزام بعض الأساتذة الأكارم في فرنسا خاصة، و سنذكرها أسماءهم للتاريخ إن كان للأعمار بقية، لندخل في عمليات تأجيل و تسويف من شهر لشهر و من عام لعام، ولم ترى النور لحد الساعة، مثل كتبه، المتداولة كـالمسار، و منهجية التربية الدعوية،  والفقه اللهب وهو تهذيب لكتاب الغياثي للجويني وغيرها. ..

و قد ترجمت ايامها - و لله الحمد - مجموعة محترمة من بعض كتبه للغات أخرى لكنها محلية كالتركية و الماليزية، و لم أطلع إلا على بعض الترجمات الإنجليزية منها كتابه "   صناعة الحياة"، ضمن  سلسلة "إحياء فقه الدعوة"، ونشرته أيامها دار المحراب للنشر و التوزيع- زيوريخ/ سويسرا.

 Life – Making, 2002/1423 Zurich/Switzerland.

 

الراشد يفتخر بـ "كفاح الجزائر المرير" وخصال شعبها المجاهد..

 

للشيخ الراشد ذاكرة حافظة للغاية، لمسنا ذلك منه وعايشناه، في جلسة عابرة، مع بعض الاخوة الأفاضل في أوروبا منذ سنوات خلت، لما علم أنه محاط بمجموعة من شباب الجزائر، ليحدثنا عن فضل علاَّمة الجزائر على فكره وأسلوبه، يقصد قلم الشيخ البشير الابراهيمي، الذي أبهر ببلاغته في "عيون البصائر"، خاصة وتعلم منه فنونها، مضيفا بقوله أن قيمة الجزائر العظيمة، نشرت بالبصائر في ثلاث أو أربع  مقالات لخصتها رائعات المفكر الشهيد سيد قطب (رحمه الله)، وأنطلق يسرد علينا عن ظهر قلب قطوفا بالنص والتاريخ، قوله:"

أنه بتاريخ 23 يناير 1953، نشرت “البصائر” المقال الأول لسيد قطب، تحت عنوان “كفاح الجزائر المرير”؛

بَّين فيه سياسة فرنسا التي تهدف إلى محو الثقافة الإسلامية، واللغة العربية في الجزائر، أملا في سلخها من العالم الإسلامي على نمط الأندلس، وقد جاء فيه، هذه العبارات البليغة التي تكتب بالذهب :

“كفاح الجزائر في سبيل البقاء، وكفاحها في أن تظل عربية وأن تظل مسلمة. هذا الكفاح له في نفسي دلالة خاصة قد لا تخلص لي من كفاح أي بلد آخر من البلاد العربية أو البلاد الإسلامية. لقد أريد بالجزائر أن تكون أندلساً جديدة، أريد بها أن تنسلخ من جسم الوطن العربي الإسلامي، وأن تبتلعها الصليبية الأوروبية الجديدة. "

 

مضيفا بقوله، وكتب سيد قطب مقاله الثاني تحت عنوان “نحن خير أمة أُخرجت للناس”،

 جاء فيه على الخصوص: “هذه المزق التي صار إليها الوطن الإسلامي بفعل الاستعمار الغربي. هذه الأوطان المتعددة التي أنشأها الاستعمار من الوطن الإسلامي الواحد. هذه الرايات المختلفة التي اتخذناها من مزق الراية الواحدة. هذه كلها قد أحالتنا بعضنا عن بعض غرباء”.”انعكس هذا التفرق على واقع المسلمين فأضاعوا القدس كما فقدوا بالأمس الأندلس، فاليهود رغم اختلاف جنسياتهم وتعدد أوطانهم وحدوا صفوفهم وجمعوا قواتهم لاغتصاب فلسطين. وهذه الأرض المقدسة حررها من الصليبيين صلاح الدين الأيوبي الذي ليست له راية سوى راية الإسلام يدفع عنها”.

وأردف قائلا: " نشر سيد قطب مقاله الثالث في 13 مارس 1953، تحت عنوان “طريق النصر”،

 بَّين فيه سنن النصر منطلقا من قوله تعالى:  الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40) الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ (41

 وختم سيد قطب مقالته بتأكيد هذه القناعات، التي يجب أن تظل راسخة في أذهان المسلمين: “إذا نحن آمنا حق الإيمان أدينا ما يُحتمه علينا إيماننا من استعداد، فكان لنا النصر لأننا نزيد على قوة أعدائنا قوة العقيدة … هذا هو طريق النصر… وهو أمامنا مفتوح … وليس لنا طريق سواه…فلنعرف الطريق، ثم نطلب النصر من الله”.

و ختم سرده، بقوله " استهل سيد قطب مقاله الرابع، بالتفاؤل بمستقبل الإسلام، وخاصة إذا اعتمد الدعاة، والعلماء على منهج دعوي، يتسم بالواقعية، والوسطية، ودعا إلى وضع إطار يرشد مسار الدعوة، ويحمي مكاسبها. وليس أفضل من اغتنام فرصة الحج، “مؤتمر الدعوة الإسلامية”، كما سماه سيد قطب و سماه قبله مولانا أبو الأعلى المودودي، رحمهم الله جميعا.

 

الراشد تراث فكري وتربوي ضخم عميق وأصيل، تنهل منه أجيال الصحوة :

 

وقد زار الشيخ الراشد الجزائر مرتان أو ثلاث و التقى بالرئيس الراحل عبد العزيز  بوتفليقة في عام 2004 و وعده بدعوة إلى الجزائر، وقد حل أيضا محاضرا بمناسبة الجامعة الصيفية في جامعة بومرداس و أماكن أخرى في نفس الفترة ..

 

و من الجزائر، كتب المفكر الإسلامي أستاذنا الدكتور الطيب برغوث، تعزية مؤثرة بعنوان " وداعا فقيه الدعوة"، رغم الرزية الكبرى في فقد المفكر أحمد الراشد إلا أنه " خلف لنا و للإنسانية تراثا فكريا وتربويا ضخما وعميقا وأصيلا، نهلت منه أجيال الصحوة كثيرا، وستظل تنهل منه الأجيال عبر الزمن، لترشِّد فهمها، وتؤصِّل وعيها، وتفعِّل حركتها، وترتقي بسلوكها وعطائها إلى قمم الإحسان العليا، ونيل المقامات الرفيعة عند الله تعالى، ولذكر الجميل لدى الخيِّرين والشرفاء في مجتمعاتها، ويعتبر الراشد من أهم منظري ومؤلفي الحركة الإسلامية المعاصرة فهو مؤلف العديد من الكتب التي تحاول أن تجمع روح الحركة مع العلم الإسلامي ونوع من الروحانيات والتأكيد على الأخلاق الإسلامية..

 

يا راشد نم هادئا فالشّعب بعـدك راشــــد، فموت العظماء حياة أممهم..!!

 

بموت العلامة محمد أحمد الراشد تكون الجامعات ومهابط العلم قد فقدت واحداً من أبرز أعمدتها، بل تكون المكتبة الاسلامية حقا قد فقدت رفوفا كبيرة من كتبها و مجلاتها، لكن عزاؤنا فيما قاله شيخنا العلامة البشير الإبراهيمي - رحمه الله - ، حيث كتب يقول في ذكرى وفاة الزعيم الروحي لحرب التحرير الجزائرية ، الشيخ الرئيس عبد الحميد بن باديس- رحمه الله-:

" يموت العظماء فلا يندثر منهم إلا العنصر الترابي الذي يرجع إلى أصله، وتبقى معانيهم الحية في الأرض، قوة تحرك، ورابطة تجمع، و نورا يهدي، وعطرا ينعش، وهذا هو معنى العظمة ، وهذا هو معنى كون العظمة خلودا، فإن كل ما يخلف العظماء من ميراث، هو أعمال يحتذيها من بعدهم ، وأفكار يهتدون بها في الحياة، وآثار مشهودة ينتفعون بها ، وأمجاد يعتزون بها ويفخرون.. !! 
و رحم الله الشاعر الحكيم القائل:
المرء بعد الموت أحدوثة … يفنى و تبقى منه آثاره
فأحسن الحالات حال امرئ … تطيب بعد الموت أخباره.

لا لشيء إلا لأن موت العظماء حياة أممهم، فإن في الغربة زادت جلالا، فإن كانت نتيجة للظلم زادت جمالا، فإن كانت في سبيل الوطن كانت جلالا و جمالا، فإن صحبها سلب العز والملك حلية و كمالا. عزاء للوطن الاسلامي المفجوع فيك يا علامة الفكر و فقيه الدعوة، وسلوى للقلوب المكلومة بموتك ! وجزاء تلقاه في هذه الدنيا طيب ذكر، و عند ربنا ثمين ذخر..

في انتظار ذلك نقول لفقيدنا الغالي، نم هادئا، قرير العين، يا مبدع "رسائل العين" .. بل حسبك قول الشّاعر الجزائري الفحل محمد العيد آل خليفة، الذي أنشد يقول يوم رحيل إمامنا، العلّامة عبد الحميد بن باديس

نم هـادئا (يا راشد) فالشّعب بعـدك راشــــد *** يختـط نهجـك في الهـدى ويسير

لا تخش ضيعة ما تركت لنا سـدى *** فالـوارثـون لمــا تركـــت كثير

بدورك أيضا أستاذنا الكريم نم قرير العين، وسلام عليك في الشهداء والصّدّيقين، وسلام عليك في الأوّلين والآخرين، وسلام عليك في المؤمنين العاملين، وسلام عليك في الدّعاة الربّانيّين، وسلام عليك إلى يوم الدّين..

 هنيئا لك ذخرك عند الله مما قدّمت يداك من باقيات صالحات، وعزاء لك فيمن كنت تعلّمهم و تواسيهم .. وإلى لقاء في جنّة عرضها السّماوات والأرض أُعدّت للمتقين .. وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين والعاقبة للمتّقين ولا عدوان إلّا على الظّالمين، و"إنّا لله وإنّا إليه راجعون". وصدق محيي الموتى القائل:" الّذين تتوفّاهم الملائكة طيّبين، يقولون سلام عليكم ادخلوا الجنّة بما كنتم تعلمون".

 
 

شارك رأيك

التعليقات

لا تعليقات حتى الآن.

رأيك يهمنا. شارك أفكارك معنا.

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2024.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2024.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services