497
0
المفكر محمد مسن… إنتاج معرفي متنوع والتخصص في المعجزات العلمية في القرآن الكريم
الباحث والمفكر “محمد مسن”، مهندس وكاتب ألف كتبا عدة تصب بين نهرين متلازمين: العلم والقرآن، فهو يعتبر من الباحثين القلائل في مجال “الإعجاز العلمي” باللغة الفرنسية، ولكنه لا يقر بهذا المصطلح واستبدله “بالمعجزات العلمية في القرآن الكريم”، أسس موقعه الأول
www.merveillescoraniques.netعام 2015. ومنه تولدت فكرة مؤسسة “العلم والقرآن” التي تعمل لنشر الوعي في هذا المجال.
حول هذه التجربة والوقوف عند مسيرة هذا الباحث والمفكر وعند الكثير من المحاور الأخرى حاولنا إثارتها واختصار تجربة أكثر من 40 سنة في التأليف والتفكير مع الكاتب “محمد مسن”.
حاورته زهور بن عياد
إذا أردنا أن نتحدث عن سيرتك الذاتية من أين كانت البداية؟
محمد مسن من مواليد 1938، بالقرارة ولاية غرداية المعروفة بمعهد ومدارس الحياة للشيخ البيوض رحمه الله، كان التعليم الابتدائي في المدرسة الفرنسية وفي مدرسة الحياة . كانت تربية أصيلة في ظروف صحراوية واستعمارية قاسية، وكنت محظوظا بوالدين حريصين على تدريسي، واستمر تكويني بالمدرستين إلى غاية 1950.
كان والدي تاجرا بالعلمة (ولاية سطيف) ولذلك انتقلت هناك أين أكملت التعليم الثانوي بالفرنسية، إضافة إلى انخراطي في فرع مدرسة الحياة، وبها تفتحت قريحتي على الأدب العربي وكان الفضل الأكبر لشيخي “محمد بن إبراهيم طفيش”، حفيد القطب رحمهما الله.
حفظت الشعر ومثلت في عدة مسرحيات منها مسرحية “حن بعل” لتوفيق المدني “والنعمان بن المنذر”، ومسرحيات أخرى. وهنا أشير أن المسرح كان أحد الوسائل لإيقاض الوعي القومي والروح الوطنية في نفوسنا قبل الثورة وأثناءها.
بداية الحس الثوري
كما تفتح وجداني على مشاعر الوطنية تحت مقارعة أبناء الكولون وبالتعرف عن بعد إلى بعض الشخصيات الوطنية القيادية كانت تجتمع في مخزن والدي رحمه الله. ثم تعرفت إليها عن قرب بعد الاستقلال أمثال الدكتور الأمين دباغين ومحمود حكيمي وغيرهما.
بعد حصولي على الشهادة الثانوية، وبينما كنت أحضر لشهادة التعليم المتوسط الفرنسية، حدث أن التقى والدي بأحد مسؤولي البعثة العلمية البيوضية بتونس. و رأى هذا الزائر الكريم نتائجي في المدرستين فأشار عليه أن يضمني إلى سلك البعثة، فوافق الوالد على الفور.
بسفرك إلى تونس نستطيع القول إن مرحلة أخرى قد بدأت في مسيرتك؟
لا تزال رحلتي إلى تونس عالقة في ذاكرتني من جراء ما حدث، كانت سنة 1955 والثورة التحريرية في أوجها، أوقفتني شرطة الحدود الفرنسية في مدينة غار الدماء، وعرضتني لكل أشكال الإهانة والترهيب، ومنعتني من السفر، بتهمة أنني ذاهب هناك للانضمام إلى “الفلاقة”؛ تلكم التسمية التي كانوا يطلقونها على المجاهدين. لكن ومن ألطاف الخالق تعالى كان أخ لأستاذي في الرياضيات بالثانوية واقفا يتابع تفتيش كتبي. وحين رأى كراسي اسم الأستاذ أخيه، شفع لي وسهل دخولي إلى تونس بعد إجراء إداري بسيط.
دخلت تونس وبسبب تأخري فاتتني مسابقة الدخول إلى مدرسة الصادقية، فالتحقت بثانوية قرطاج (شعبة فرنسية) ثم العالوية (شعبة تونسية) في السنة الموالية.
برزت في مادة الرياضيات بعد أن تألقت فيها في ثانوية “العلمة”، كما كنت من المتفوقين في مادتي الفيزياء والكيمياء، وحين التحقت بالمدرسة الصادقية وهي من أقوى المدارس وأرقى المداس في الشعبة التونسية، رشحني أستاذي في الفيزياء والكيمياء للتحضير لمدرسة عليا في الهندسة في فرنسا.
لكن، ومنذ إضراب الطلبة في 19 ماي 1956 دخلت غمار السياسة ضمن الاتحاد العام للطلبة المسلمين الجزائريين، وبعد الإضراب، تلك الفترة تحصلت على البكالوريا.
وبصفتي كاتبا عاما لفرع تونس للاتحاد، كلفت بملفات البعثات الطلابية إلى الخارج. كما كلفت بحصة “الطالب الجزائري” في إذاعة صوت الجزائر بتونس. و كان الأخ بلعيد عبد السلام آنذاك رئيس ديوان السيد عبد الحميد مهري، وزير الثقافة في الحكومة المؤقتة الجزائرية. واقترح علي لأكون ضمن بعثة الطلبة إلى أمريكا، فاعتذرت لعدة اعتبارات منها التزامات مهنية وسياسية في تونس، وأسباب أخرى تتعلق بما كانت تقترفه أمريكا الاستعمارية في الفيتنام، وأنا كنت بطبعي ثائرا أمقت الظلم والاستعمار.
بدأت مرحلة أخرى في بلد أخر” سويسرا”، هل يمكنك الحديث عن اختيارك لهذا البلد وماهي ظروف السفر؟
بعد عام من تنازلي على حقي في سنة 1959، راجعت بلعيد عبد السلام من أجل الالتحاق ببعثة لأوروبا. فطلب مني الانتظار للضوء الأخضر من طرف المرحوم عبد الحميد مهري ، ووقع اختياري على المعهد المتعدد التقنيات بلوزان حيث كان مركز الاتحاد العام، ودخل المدرسة معي بعض الجزائريين ، ولكن لم يبقى بعد السنة الثانية سوى ثلاثة منهم نظرا لصعوبة التخصص والصرامة في التقييم.
أكملت دراستي في يناير 1965، وتحصلت على شهادة “مهندس كهرو تقني” ورجعت إلى بلدي مفعما بالأمل.
التقاعد في سن 42 والتفرغ للكتابة والتفكير
بدأت المرحلة المهنية في حقل إنتاج الكهرباء ثم الدراسات والبحث في التقنيات الحديثة. وبالتوازي اشتغلت بالتدريس في الثانويات والجامعات، منها المدرسة المتعددة التقنيات بالحراش والمدرسة العليا للإدارة، كما كلفت بتمثيل الجزائر في الاتحادات الدولية والمنظمات الأممية في محال الكهرباء والبحث العلمي، و خلاصة ما أشير إليه أنني لم أسلم من بعض الذهنيات التي خلفها المستعمر مما جعلني أعتزل الإدارة في سن 42 عاما وأتفرغ للكتابة والتدريس.
بدأت رحلة الكتابة والتأليف، حدثنا عن باكورة أعمالك وأهم الكتب التي ألفتها؟
بدأت الكتابة في الثمانينات إذ كنت مطالبا بمحاضرة من طرف المعهد العالي للتسيير والتخطيط (ISGP ) في إطار ندوة تكوينية لمسيري المؤسسات الجزائرية، كانت تحت إشراف الأمم المتحدة (ONUDI ) فولد من المحاضرة كتاب:
“Le Contrat et la stratégie des projets en voie de développement”.
ترجمته الى العربية “العقد واستراتيجية المشاريع في البلدان النامية”،
ثاني كتاب بالفرنسية “Youcef et Zoulika” (يوسف و زليخاء )، وهو ترجمة لسورة يوسف عليه السلام في القرآن مع تفاسير علمية وتاريخية وأدبية،
وبعده كتاب “تدبير المؤسسات تقنيات واستراتيجيات ” (بالعربية). يضم مجموعة محاضرات كنت ألقيتها في المدرسة العليا للإدارة، بالإضافة إلى معلومات ميدانية وتدبيرية بعد تربصات في لوزان وأمريكا. أما الكتاب الرابع فجاء تحت عنوان “اللؤلؤة والجمرة”. في جزئين، الأول رواية عن حياة سيدنا موسى عليه السلام، وظفت فيها الخيال لتصوير بعض الوقائع التي اختصرها القرآن الكريم، و في الجزء الثاني شفعت كل مشهد بتعاليق وتفاسير مبينا ما كان من نسج الخيال وما كان من الحقيقة القرآنية.
، وكنت أنبه القراء و أقول إن القرآن يكتفي بذكر الوقائع والعبر و ليس كتابا قصصيا أو علميا يهتم بالتفاصيل، وكنت أنبه على أن الأفلام التي نشرت حول الأنبياء سواء الإيرانية أو الأوروبية، فهي تحتوي على الكثير من الأخطاء والأكاذيب.
أما الكتاب الموالي “Les Versets de la Démocratie ” (آيات الديمقراطية) كان ردا على كتاب محمد أركون وعلى كتاب “آيات شيطانية” لسلمان رشدي. أما الكتاب التالي فجاء استجابة لطلب من ابني الأصغر؛ كان يدرس في مدرسة قرآنية بباريس وهو يحضر دكتورا، فغالبا ما كان يتلقى أسئلة حول الميزابية والإباضية. فطلب مني كتابة مطوية مختصرة تعرّف بهذا المذهب، وبالفعل كانت في البداية مطوية بسيطة لقيت صدى في فرنسا وفي بعض الدول العربية ثم طلب مني أن أوسعها في كتاب. فأصبحت بالفعل كتابا يحمل عنوان:
“L’Islam Tolérant et pacifiste – un bref aperçu sur l’histoire et les principes de l’Ibadisme ”
أعدت صياغته وتحسينه بالعربية تحت عنوان:
“الإسلام المسامح والمسالم – لمحة عن تاريخ ومبادئ الاباضية”
ثم جاء جيل رابع من الكتب العلمية والقرآنية، فنشرت في (Amazone)
“les trois livres de l’univers” (الكتب الثالثة للكون)
وهو تعليق على ما قاله ستيفن هاوكينغ، في كتابه:
“Un bref aperçu du Temps ”
وجدته يحتوي على معلومات غريبة أشار إليها القرآن الكريم بوضوح مدهش، وبعد نشر هذا الكتاب، جاءت اكتشافات المقرابين “هابل وجامس ويب” فظهرت حقائق ومعجزات أخرى جديدة تفسر ما جاء في كتاب الحق تعالى منذ أزيد من 14 قرن. فأصبحنا نفهم اليوم أكثر من أسلافنا أسرار آيات تتحدث أو تلمح إلى “رتق الفتق” مثلا، “والسماء ذات الحبك” و”توسيع الكون” و”سرعة الضوء” وما فوقها، “والخنس الجوار الكنس” أو ما يسميه العلماء اليوم “الثقب السوداء” و ما إلى ذلك مما جاء في أكثر من 1300 أية أسميها علمية. واليوم يتحتم علي تحيين “الكتب الثلاثة للكون” بمشروع يتحدث إن شاء الله، عن “الكون من الخلق إلى الخلود” بين العلم و القرآن.
ميلاد مؤسسة العلم والقرآن
الحديث عن الإعجاز العلمي في القرآن يقودنا للحديث على مؤسسة العلم والقرآن التي أسستموها كتجربة متفردة وعمل له خصوصيته يطمح إلى الارتقاء الفكري يجمع بين العلم والقرآن، حدثنا على هذه المبادرة الفريدة؟
نشأت المؤسسة من جنين “www.merveillescoraniques.net “، وهو موقع “المعجزات العلمية في القرآن الكريم”، ينشر بالفرنسية، لأن المواقع بالعربية الإنجليزية كثيرة، ولقد انبثقت الفكرة في مكتب “لGS Internet” سنة 2005 بحيدرة، مع بعض الشباب الغيورين. هم الذين قاموا بهندسة الموقع والتزمت بوظيف رئيس التحرير إلى هذه الساعة.
تبلورت فكرة المعجزة العلمية وتم التركيز على تفسير القرآن، على ضوء الاكتشافات الحديثة، واعتمدنا على نشر البحوث المعمقة في الموقع، رغم تعثره. و آخر بحث نشر هذا العام كان عن “قوم لوط بين العلم والقرآن” على ضوء اكتشافات أثرية وتحليلات مخبرية في “آثار مجمع صودوم” بين فلسطين والأردن،
وفي أخر اجتماع للمجلس التأسيسي، “لمؤسسة العلم والقرآن” في ديسمبر الماضي، تم الاتفاق على توسع النشر إلى الإنجليزية والإسبانية.
لو أردنا حوصلة أهم أهداف المؤسسة ماذا تقول، ولمن توجه رسالتك؟
هي مؤسسة بحث علمي ونشر ودعوة إلى الله بواسطة القرآن الكريم ومعجزاته العلمية، أما السنة النبوية فنعتمد عليها كشاهد لا كدليل، لكل مشروع أو دراسة علمية يجب توفير الدليل القرآني والدليل العلمي معا، فكثيرا ما تحمل نصف آية معجزة علمية ستلزم صفحات من الشرح، كقوله تعالى “وكان عرشه على الماء”، فإلى حد الساعة لم يتوصل العلم إلى حقيقة هذا الماء الذي أقرها القرآن.
هدفنا كذلك أن نبرهن على أنه من المستحيل على رجل أمي راعي بدوي، أن يأتي بكتاب يحمل المعجزة العلمية التي تحدى بها البشر، وكيف له أن يعلم أن العالم يتمدد، أو أنه خلق من انفجار ودخان؟ ولقد اعتنق الكثير من العلماء الإسلام بسبب هذه المعجزات الكونية.
أما الرسالة التي نود تبليغها هي رسالة الحق والبرهان على أن الكتاب من عند الله ومحمد هو رسول الله، بالمعجزة القرآنية التي لا تتغير أبدا مهما تغير العلم، فإن أبسط قواعد اينشتاين مثلا، تخضع اليوم للمراجعة، وهناك من يقول أن العلم يتغير ولا يمكن تفسير القرآن الثابت بالمتغير، وقد أجبت في كتابي المذكور آنفا بالقول إن تفسير القرآن من أول يوم نزل كان بعلم الإنسان، وعلم الإنسان ما لم يعلم ثم تجدد علمه وفهمه للقرآن. وبقي القرآن معجزة لم تتغير، و يأتي العلم اليوم باكتشافات جديدة تزيد القران تفسرا وتبيانا وقد يأتي اليوم الذي يظهر فيه خطأ العلم أو نقصه فسيكمله، فالعلم يتغير أما القرآن ثابت باق ، لذا، نوجه رسالتنا لكل البشرية، وللمغتربين خاصة وهم المستهدفون في عقيدتهم، ونذكرهم أن موقعنا تزامن مع انتشار الصور الكاريكاتورية المسيئة لرسول الله في أوروبا. وجاء مع الحملات الشرسة للتيار المتطرف في الغرب. فنرجو الله أن يعينهم على الثبات واليقين.
كما نتوجه رسالتنا للأفارقة المسلمين، لأنهم مستهدفون كذلك بحملة استعمارية نصرانية جديدة لضرب الإسلام واختلاق الإرهاب الإسلامي.
وهل تملكون برامج للشباب خاصة لأن سلم القيم في المجتمع يعرف اختلالا رهيبا كما أن الكثير من التحديات ولا سيما منها انتشار الآفات الاجتماعية تهدد مستقبل أبنائنا؟
تلكم حقيقة مرة والوضع العام ينذر بالخطر. فإن الانتشار المريع للمخدرات للأفكار الهدامة كالإلحاد ، مؤامرة كبرى تستهدف شبابنا. ولكننا في الحقيقة نخاطب المفكرين أولا، ومجالنا نشر العلم أكثر من الدعوة، وهذه مهمة الدعاة والأئمة، والمسؤولين. وأسباب هذا الانحدار كثيرة ومن أهمها الخطط التي استهدفت ضرب التعليم والثقافة في الجزائر.
نلاحظ أن الجمعيات في الجزائر كثيرة والسلطات تتحدث عنما يقارب 150 ألف جمعية ولكن الجمعيات الفكرية قلة مقارنة بالجمعيات الخيرية. فما رأيك؟
لا يوجد بلد متطور في العالم إلا وقد خصص أعلى نسبة في ميزانياته للتعليم والثقافة، لذا، بعيدا عن اليأس، أقولها بكل صراحة إن المستوى التعليمي في الجزائر متدهور بشكل مريع بعد أن كانت الجامعة الجزائرية تنافس الجامعات الأوروبية، فالأرقام الجوفاء لا تكفي. ولكي يأتي العمل الجمعوي ثماره ويساهم في تطوير المجتمع علينا أن نصلح الوضع التعليمي ونهتم بالثقافة والعلوم.
كلمة أخيرة توجها للشباب؟
لن ينفع الشباب سوى الهزات التي سبقت والتي ستأتي. فعليهم أن يتفطنوا ويشفقوا على أنفسهم، يزخر بلدنا بالطاقات والقدرات والموارد الطبيعية ولكنها للأسف شريت بثمن بخس لبلدان أخرى تستفيد منها، ورغم ذلك لا تيأسوا “فالبلية خير” إن فهمناها واستثمرناها للتصحيح، قد ينتشر الفساد، لكننا سنستفيق بالهزات العنيفة التي تحاك ضدنا . “ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين”.
أنا متفائل بالشباب وبالطالبات خاصة، “فالأم مدرسة إذا أعددتها – أعددت شعبا كيب الأعراق”. ومتفائل بجيل قادم واعي لقضاياه، وبنهضته إن شاء الله.
لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ ٱللَّهُ بِقَوْمٍ سُوۤءًا فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ