504
0
الكاتبة سليمة مليزي:”أدب الطفل يشغل حيزا واسعا من تفكيري،وأطمح بالنهوض به جماعيا وليس فرديا”
في الجزء الثاني من حوارنا مع الأديبة سليمة مليزي واصلت الحديث عن بدايتها وتميزها في عالم الكتابة، خاصة أدب الطفل ، كما حاولنا من خلال تجربتها الثرية ايصال رسالتها للشباب خاصة ممن يستهويهم الأدب.
حاورتها شيماء منصور بوناب
الخاطرة الأدبية كانت أولى خطواتك في الكتابة؛ فغرست فيكِ حُب القلم الأدبي الإبداعي، هل لا زال الاهتمام بهذا النوع الأدبي أم لاقى مصيره في دهاليز الماضي؟
كتابة الخواطر هي اللبنة الاولى لأي أديب مبتدئ ، يبدا بها وبعد تطوره في الكتابة وصقل موهبته من خلال المطالعة، لأن قارئ اليوم هو مشروع كاتب جيد مستقبلاً لأنه لا كتابة بدون قراءة مسبقة، لكنني كنت احب الرسم كثيرًا، وظهرت موهبتي في مجال الابداع الأدبي في المدرسة، حيث كنت احصل على اعلى علامة في ( الإنشاء ) التعبير الكتابي، خاصة انني نشأت في “بني عزيز” بين الطبيعة الخلابة، التي كنت اعشق التناغم معها، اتذكر انني كنت استعير الكتب من المُعلم ، (لان في ذلك الوقت لم يكن لنا الحظ مثل هذا الجيل، من توافر وجود المكتبات )، كنت اذهب الى حديقة جدي واقرأ القصص بصوت مرتفع، وكنت أعتقد أن الطبيعة والعصافير تسمعني، ثم أعيد قراءة القصة بصوتي، وأفادني ايضًا نشأتي في عائلة مُتعلمة، فكبرت على وجود الكتب في البيت .
أدب الطفل، أدب راقي يستهدف عقول البراءة الفطنة، فما هي طريقتك في استهداف واستقطاب هذه الفئة العمرية، وعلى أي أسس تعتمدين في كتابتك للحصول على رضاها المعرفي؟ وما هي رسالتك من ورائها؟
كتابة القصص للأطفال تُشبه كثيرًا كتابة القصص الموجهه لفئة الكبار والبالغين من حيث مقومات القصة المتعارف عليها أدبيًا، ولكن الاختلاف هو أنّ قصص الأطفال يكون الهدف الأساسي منها وجود عبرة أو قيمة أخلاقية وتربوية ليتعلّمها الطفل ويتعامل بها في حياته، ولكن بأسلوب غير مباشر وليس فيه وعظ وإرشاد؛ فالطفل يحتاج إلى أن يشعر بالمتعة والتسلية قبل الإفادة. وسوف نتحدّث في هذا المقال عن مراحل كتابة القصص للأطفال، وبأسلوب مشوق وخاصة ان الطفل يحب كثيرًا القصص الخيالية، حتى يتمكن بفكره وخياله ان يُسافر مع القصة، طريق الكتابة للأطفال او اختيار المواضيع اعتمدها غالبًا على الطبيعة، وأوظفها دائما في القصة التي تكون بأسلوب السهل الممتنع، وأراعي بساطة المفردات اللغوية وعدم صياغة جمل بلغة معقدة. حيث اوظف فيها اهمية الطبيعة التي تحيط بالإنسان، حتى يستطيع الطفل ان يكتسب لغة جميلة سلسلة، ويستفيد من القصة، مع مراعاة وضع بعض المعلومات العلمية البسيطة عن تلك الطبيعة.
وانا ما زلت أعمل في قصصي على ابراز دور الخير والبعد عن الشر، ونشر قيم التسامح ، والتعاون ومساعدة المريض والكبير في السن، حتى نرسخ في اطفالنا شرائع ديننا الحنيف.
لا تخلو حياة أديب وكاتب أو شاعر من تحديات تفرض عليه ابراز تميزه ورفع آفاق إبداعه، ما هي أهم العراقيل التي واجهتك؟
الحياة في حد ذاتها ماهي إلا دروبًا متشعبة حافلة بالمعوقات والعراقيل، فما بالك بحياة الاديب والمبدع والصحفي، الذي يحمل على عتاقه عبء ثقيل جدًا من هموم ومشاكل مجتمعة ، خاصة بعدما يترك بصمته القوية عبر مساره الابداعي ، لذلك ما نعانيه من متاعب هي كثيرة، خاصة تهميش دور المرأة المُبدعة في الجزائر، من طرف مجتمع رجولي، رغم ذلك ارى ان المرأة المبدعة استطاعت ان تفرض وجودها بقوة، خاصة مع الانفتاح الذي منحته لنا التكنولوجيات الحديثة، وشبكات التواصل الاجتماعي التي فتحت مجالًا واسعًا للمبدعة ان تقتحم كل المجالات، وتفك قيدها الذي اعاق نجاحها، وتتواصل مع الصُحف والمجلات، وحتى المواقع الادبية والفكرية، ويمكنها ايضًا كصحفية ان تعمل من البيت، وهذا ما يساعدها كثيرًا وييسر لها مجال العمل والاهتمام بالبيت والاولاد في آن واحد …
بالنسبة لي كانت بداياتي جد ناجحة، حيث كانت لي فرصة انني عملت في مجلات ثقافية متعددة، مما اتاح لي الفرصة للنشر في الجرائد، ولا أنكر وجود بعض العراقيل التي واجهتني بعد عودتي الى العمل كصحفية بعد غياب طويل عن الساحة الادبية والعمل الصحفي، لكنني تمكنت من تجاوزها بحكم خبرتي في العمل وذكائي المهني، وحكم العلاقة الطيبة التي تجمعني مع بقية الاصدقاء، فقط واجهت مشاكل في ادارة دار النشر كما سبق واخبرتك، لكننا نحاول ان نقاوم ونكافح من اجل النجاح.
تميزك كان داخل وخارج الجزائر، ماهي أهم انجازاتك التي ميزت كتاباتك عن غيرها ببصمة فريدة في عالم الكتابة؟
بحكم نشاطي المُكثف خاصة كتاباتي في الصحافة من مقالات تعالج قضايا اجتماعية هامة، تتماشى مع الاحداث اليومية ، خاصة اعالج كثيرًا مشاكل المراة والطفل والمجتمع ، أحب الكتابة أيضًا في مجال التراث، خاصة تراث الجزائر الغني جدا، وايضا اهم كتاباتي كانت عن أدب الرحالات، الذي أستطيع أن أقول انني نجحت فيه قليلًا، خاصة كان لي الحظ انني سجلت ثماني حلقات عبر أثير الاذاعة الجزائرية في القناة الاولى من خلال برنامج “رحالة” والحمد لله، تركت تلك الحلقات بصمة جميلة عند المستمعين والمسؤولين،
الحمد لله كل ما اكتبه ترك بصمة مميزة في عالم الادب، خاصة دواويني الشعرية لاقت نجاحًا من طرف القُراء، وأيضًا النقاد العرب الذين تكرموا وكتبوا فيهم قراءات ادبية قيمة، وبدون ان انسى، مقالاتي التي تعالج قضايا اجتماعية وأدبية وفكرية ، وقراءاتي الادبية أيضًا في مجموعة من الكتب لكتاب عرب وعالميين، حيث فازت القراءة الادبية في ديوان الدكتورة والشاعرة العراقية “سجال الركابي” القراءة في ( ديوانها الورد يبكي والرصاص يبتسم ) الفائزة بالجائزة الثالثة العالمية، في مُسابقة عن الاتحاد العالمي للشعر والادب في امريكا، وخاصة اهتمامي بالتراث العريق للجزائر.
رسالة توجهينها للأدباء الجدد و الهواة؟
ورسالتك أيضا لدور النشر التي تستقطب كل ما هو مكتوب دون أي جودة بدافع الربح المادي لدى بعض مسؤولي دور النشر؟
صعب جدًا التحكم اليوم في النشر، لان المشكلة منذ فتح المجال لدور النشر الخاصة، حيث معظم دور النشر تلك لا يهتمون بالأعمال من حيث التدقيق اللغوي، والقيمة الأدبية وايضًا ليس لهم لجنة قراءة من المتخصصين من اجل مراجعة النصوص اذا كانت في مستوى يستحق النشر من عدمه، مثلما كان زمان ، كانت الشركة الوطنية للنشر والتوزيع اتذكر ، لها لجنة لقراءة النصوص، اصبح الوجهة الاهم هو الربح المادي من الكتاب.
رسالتي للأدباء الشباب، ولو انهم لا يجدون الكثير من الصعاب مثلما كنا نعاني سابقًا ، حيث واصبحوا يطبعون اعمالهم بكل ارتياح بدون مشاكل. والغريب تجدين شباب في مُقتبل العمر يطبع تقريبًا كل عام كتاب ؟ صراحة استغربتُ متى قرأ هؤلاء الشباب حتى تمكنوا من الكتابة بهذه السرعة، قلتها مرة في لقاء ثقافي عبر الاذاعة الثقافية، وبمناسبة المعرض الدولي للكتاب الاخير ، حيث مرت معي شابة عمرها لا يتجاوز الخامسة عشر عاما طبعت رواية، وكانت اصغر روائية في المعرض، طبعًا كان اندهاشي كبيرًا، وكانت واثقة من نفسها وقالت للإعلامية السنة القادمة سأكتب رواية اخرى ، صراحة اندهشت، انا أرى ان المبدع الحقيقي، صعب انه يقرر مُسبقا انه سيكتب كتابًا ويكون متأكدا؟ لان الكتاب ابداع والهام وليس تخطيط، لان الاحداث تأتي هكذا في افكار الكاتب، وبعد ذلك يخطط لها، ويكتبها بعد الإعداد الجيد لها، لذلك هذا جيل يكتب اكثر مما يقرأ، عكس جيلنا نحن ، كنا نقرا اكثر مما نكتب، فهناك مقولة ” ان الكاتب لكي يكتب كتابًا واحدًا عليه أن يقرأ مئة كتاب” .
مشاريعك المستقبلية؟
طموحنا كبير ونحن نسابق الزمن؟ لأننا أحيانًا نشعر أننا لم نقدم شيئًا لهذه الحياة، مشاريعي هي أن أستمر في خدمة الكتاب، والابداع طبعًا، وخاصة ادب الطفل الذي يسكنني كثيرً ويشغل الحيز الأكبر من تفكيري، وأطمح ان ننهض به جماعيًا وليس فرديًا ، لأن أدب الطفل هو اللبنة الاساسية لتربية الطفل، هذا الطفل الذي سيصبح رجلاً واعيًا مُثقفًا يخدم الوطن والمجتمع ،لذلك لكي نبني مُجتمعًا صالحًا، ان نبدأ في تربية الطفل، ونخلق له المناخ المناسب للثقافة والمطالعة، والعلم والتربية. وكما قال الشاعر الكبير أحمد شوقي : “العلم يبني بيوتا لا عماد لها.. والجهل يهدم بيوت العز والكرم”.