1077
0
الفضيل الورتلاني عالم من طراز العضماء …لازم ابن باديس وعرّف بالقضية الجزائرية
يعتبر الشيخ الورتلاني ضمن قائمة الأسماء الخالدة في تاريخ الجزائر والذي أعطى النموذج الأمثل والصورة الحية والنابضة للمصلح والداعية النضالي الذي ساهم في خلق دعوة إصلاحية داخل الوطن وخارجه معتمدا على توعية مجتمعية بضرورة العودة إلى المبادئ الدينية والعربية وكان له السبق في ميادين الجهاد والتعريف بالقضية الجزائرية عبر الأقطار العربية والأجنبية.
مريم بوطرة
مولده ونسبه وتعليمه
هو الفضيل ابن محمد السعيد بن فضيل بن محمد الشريف بن الحسين محمد الورتلاني ولد بقرية “أنو ببني ورتيلان” يوم 06فيفيري 1900م وقيل عام 1906 ينحدر من أسرة عريقة عرف منها الكثير من العلماء منهم جده الأول الشيخ الحسين الورتيلاني،نشأ الاستاذ الفضيل في بيت يمتاز بالتدين المتين والروحانية المتألقة والتربية الربانية والاستقامة الشرعية وكان يتمتع بقوة الروح وصفاء العقيدة ووثاقة التركيز حيث أخذ علومه بمسقط رأسه وتلقى دراسته الأولى على يد علماء إشتهروا بالفقه وعلوم القرآن وانقطعوا لخدمة الإسلام والمسلمين، ومنها تعلم أن حياة المسلم يجب أن تكون جهادا متواصلا .
حفظ القرآن الكريم مبكرا فقصد مدينة الأصالة والعراقة قسنطينة ليتتلمذ على يد رائد الإصلاح في الجزائر عبد الحميد بن باديس وكان ذلك في عام 1928 .سعى في أخذ من الشيخ بن باديس معارف شرعية ولغوية ووطنية وكان يتدرج في مراتب العلماء والفقهاء بسرعة كبيرة، حيث شهد له بيقظة الذهن وسرعة البداهة حتى أصبح مساعدا للشيخ عبد الحميد بن باديس في مجال التدريس.
علاقة الشيخ الورتلاني بجمعية علماء المسلمين
أدى الشيخ الفضيل الخدمة العسكرية في صفوف الاحتلال الفرنسي من 1927 إلى غاية 1929 فكانت هذه المدة تجربة إكتشف من خلالها معاناة الشعب الجزائري وبعد قضائه لهذه الخدمة عاد لاتمام دراسته فانتقل إلى مدينة قسنطينة بهدف طلب العلم، وهناك التحق بصفوف تلامذة الشيخ بن باديس والجامع الاخضر فلازمه عدة سنوات طالبا فمساعدا ومستخلفا لدروسه فتعلم عن أستاذه الجهاد في سبيل العلم والإسلام والعربية فاختاره لتمثيل الشهاب عبر الوطن،وانتقل بإسمها لجميع الاشتراكات وواصل ذلك إلى غاية 1933-1934 فكان ينتقل في مدن وقرى القبائل الصغرى لدعوة لها فقد عين آنذاك مساعدا للشيخ بن باديس في التدريس فقام بالمهمة خير قيام حيث أخذ الشيخ بن باديس في إصطحابه في رحلاته وجولاته داخل البلاد وأوفدته جمعية العلماء إلى باريس سنة 1936 في إطار نشاطها الإصلاحي والتربوي وأقام بها لسنتين ليبث روح الوطنية في العمال الجزائريين وزرع في قلوب قلوب الأباء والأبناء معا حب الوطن والدين وتعليمهم حتى لاينسلخوا عن قيمهم الدنية والوطنية وهو مزود بنصائح الإمام وتوجيهاته وعلمه وعقيدته.
وحقا نجح في جمع كلمة الجزائريين هناك ورغم المجهودات التي بذلها الورتيلاني في فرنسا من توعية وإرشاد الجزائريين المتواجدين هناك إلا أن البعض كان ساخطا على تعينه نائب جمعية العلماء في باريس. فافتتح في ظرف عامين 20 ناديا ومركزا 15 منها في باريس وملأها نشاطات ومحاضرات ودروسا يقدمها علماء ودعاة كانوا يدرسون في فرنسا منهم ” محمد عبد الله دراز وعبد الرحمن تاج..” وإفتتح مكتبا لجمعية العلماء في القاهرة وأنشأ اللجنة العليا لدفاع عن الجزائر وقد أوفى الشيخ الورتيلاني حق الوفاء في خدمة الجمعية وخدمة أهدافها الساعية لتحرير البلاد نن سياسة الإستعمار.
نظالة في الثورة الجزائرية
عقب الأحداث الدامية التي وقعت في ماي 1945 والني راح ضحيتها ما يزيد عن 45 ألف جزائري قام الفضيل بإصدار بيان للجبهة في 1945 بعنوان “إلى الثائرين الأبطال من أبناء الجزائر حياة أو موت بقاء أو فناء” ومما جاء في البيان إن القطر الجزائري كشقيقة تونس والمغرب يعيش اليوم موجة إضطهاد لا يكاد الانسان يجد لها نظير في تاريخ البشرية العاقلة..” اتضح من هذا البيان أن الورتيلاني كان يتابع أخبار وطنه الجزائر عن كثب وراح يعرف بالقضية الجزائرية فحث على إعتراف دول المشرق العربي مما جعلهم يوجهون له الحضور لمؤتمر العلماء المسلمين المنعقد بباكستان كمندوب على الجزائر. ونظرا لمؤهلاته تم تعينه كمنتدب عن المؤتمر أمام كافة الهيئات والجماعات الاسلامية في العالم وقد مكنه هذا المنصب من توثيق صلاته بالعديد من الزعمات الاسلامية والسياسية وكتب في أغلب الصحف والمجلات وزار كثيرا من الأقطار العربية والإسلامية فكان سعي الشيخ الورتيلاني يوصل الليل بنهار لخدمة الثورة الجزائرية التي أمن بمبادئها فكان داعية لها منافحا على مشروعها ومشروعيتها.
وبعد قيام ثورة 1952 عاد الورتيلاني إلى مصر بعد غياب لسنوات واستقبله العلماء والسياسيون استقبالا حسنا نظرا لماضيه المشرف في الجهاد وأداء لنشاطه ولعب أهم الأدوار في بزوغ الثورة الجزائرية 1954 ولم تطل مدة إقامة الفضيل بالقاهرة بعد إنقلاب 1954 فقد غادرها إلى بيروت 1955 بعد إستئثار عبد الناصر بالسلطة واعتقالاته للإخوان المسلمين وإعدام ستة من قادتهم وكان من حسن حظه أنه تمكن من مغادرة القاهرة بعد تأكده من تأمر المخابرات المصرية عليه وعلى أستاذة الشيخ محمد البشير الإبراهيمي.
الورتلاني والقضية الفلسطينية
إن للقضية الفلسطينية أهمية قصوى في فكر الفضيل الورتلاني حيث يعتبر فلسطين بقعة مقدسة من الأراضي العربية يرى أن إسترجاع فلسطين أمر ممكن وينطلق الفضيل في تحليله للقضية الفلسطينية من الواقع المعاش للدول العربية خاصة المستقلة آنذاك حيث توصل إلى حقائق مرة دفعته إلى الإفصاح عن عدم رضا بما قدمه العرب لصالح القضية الفلسطينية كيف لا وهو الذي وجد التقصير في بذل المال وكذا الارواح والدماء.
وبالرغم من إبداء عدم رضاه عن مقدار ماقدمه العرب لصالح فلسطين إلا أنه لا ينكر لهم ما بذلوه من كتابات وخطب ومظاهرات وإضرابات متكررة وتخصيصهم وإطلاقهم على بعض الأيام كيوم فلسطين المجاهد وهو ما يعتبر خطوة أولى في سلسلة من أربع خطوات يتحقق بها النصر حيث يقول “ولعل الحرب كلام ثم غضب ثم بذل للأموال والأنفس ثم فوز بالنصر المبين بإذن الله. ” فهو يرى حل القضية الفلسطينية ليس ممكنا فقط بل القول لإسرائيل أنت دولة مزعومة ولفرنسا أنت مجرمة عاتية… وبعد أن يقوم العرب بإنشاء تكتل قومي.
كفاح خارج الوطن إلى أن وافته المنية
بعد سلسلة من الزيارات التي قام بها الورتلاني قام بزيارة إلى تركيا في إطار مواصلة نضاله في خدمة بلاده حيث تمكن بفضل إخلاصه ونشاطه الدؤوب أن يحدث تحولا ملموسا في موقف الحكومة التركية اتجاه الثورة الجزائرية ومهد بذلك السبيل لإقناع تركيا بعدالة القضية الجزائرية.
كان الورتلاني يكرس حياته لخدمة وطنه والثورة الجزائرية التي كانت منطلقة وكان هو مؤمنا لمبادئها، وأدى به العمل المتواصل إلى أن يصاب بمرض فاعتلت صحته كثيرا ومع ذلك لم يتقاعس عن العمل وهو الذي مهدا لاعتماد أول مندوب لجبهة التحرير الوطني الجزائرية بتركيا وهو العقيد عمار أو عمران”، فكان الفضيل خلال أيام حياته الأخيرة يعاني من مرض العضال الذي أخذ يستأثر بجهده وهو لا يأبه بذلك ولا يسمع إلى أقوال الأطباء إلا قليلا ولطالما وصفوا له الدواء فإذا بالأيام تمر تباعا والدواء عند رأسه باقيا على حاله ، وعندما تدهورت صحته واشتد به المرض، دخل إلى المستشفى ووقف إلى جانبه رجل فاضل هو السيد الأستاذ فرج بن جليل المستشار بالسفارة الليبية، وبعدها لم تمض على اقامة الفضيل بالمستشفى في تركيا سوى بضعة أيام حيث أجريت له عملية جراحية لم تنجح فكانت خاتمة لحياته ، ووافته المنية في الثاني عشر من شهر مارس 1959 ودفن بتركيا .
ثم أعيد رفاته إلى أرض الوطن في 12 مارس 1987 ودفن بمسقط رأسه.وقد ترك الفضيل الورتلاني تراثا ضخما من أعماله القيمة وأبرزها الجزائر الثائرة بطبعاته الثلاث وكانت الطبعة الأولى من منشورات عباد الرحمان اللبنانية سنة 1956 كتب خاتمته والتعريف بمؤلفه الأستاذ رفيق سنو أما الطبعة الثانية فكانت في الجزائر 1963 وأما الطبعة الثالثة فكانت هي الأخرى في الجزائر بعناية من الأستاذ مسعود حسين الورتلاني سنة 1992 وبتقديم من الأستاذ محمد الصالح الصديق وقد قام الورتلاني من خلاله بتفنيد مزاعم وادعاءات فرنسا القائلة بأن الجزائر أرض فرنسية ، كما شرح فيه السياسة الفرنسية المنتهجة بالجزائر منذ الاحتلال وانعكاساتها على الجزائريين مركزا على أهمية وضرورة التعاون والتكاثف بين أبناء الوطن على الجزائريين مركزا على أهمية وضرورة التعاون والتكاثف بين أبناء الوطن.