433

0

البروفيسور رابح لونيسي لبركة نيوز:” علينا أن نستلهم من نوفمبر  روح الوحدة لمواجهة المؤامرات ، و أن نحول ثورتنا لقوة ناعمة مؤثرة عالميا”

البروفيسور رابح لونيسي لبركة نيوز:” علينا أن نستلهم من نوفمبر  روح الوحدة لمواجهة المؤامرات،  وأن نحول ثورتنا لقوة ناعمة مؤثرة عالميا”

البروفيسور والمفكر الجزائري “رابح لونيسي” أستاذ بجامة وهران ومؤلف للعديد من الكتب في مجالات فكرية وسياسية  التاريخ اشهرها “النظام البديل للاستبداد”-“ربيع جزائري لمواجهة دمار عربي”- “الجزائر في ضوء الاستراتيجيات الدولية” .في إطار إحياء ذكرى اول نوفمبر جمعنا حوار معه للحديث عن سبل المحافظة على الذاكرة التاريخية و اهتمام الشباب و افتخاره بما قام به اجداده لمواجهة المستعمر الفرنسي من اجل استرجاع سيادة الدولة الجزائرية.

أجرت الحوار نزيهة سعودي 

نحتفل بذكرى “أول نوفمبر” و التي بقيت في صدارة أكثر المسائل التي يجتمع حولها الجزائريون ومصدر إلهام الشعوب التي لاتزال تحت  نيران الإستعمار ، ما هي الدروس و العبر التي يمكننا استخلاصها من الذكرى ؟

          يعد أول نوفمبر1954من أبرز الأحداث التي عرفتها الأمة الجزائرية عبر تاريخها الطويل، لأنه توحد فيه الجزائريين بهدف طرد الإستعمار وبناء دولتهم الوطنية، كما كان مصدر فخر وإعتزاز لهم، كما هو أيضا، ولازال مصدر إلهام لشبابنا في بناء دولتهم. فالإستعمار الفرنسي هو آخر الإستعمارات التي تعرضت له الجزائر عبر تاريخها الطويل بداية بالإستعمار الروماني، ويجب ان يكون آخرها. فلو عدنا إلى تاريخنا الطويل، نجد أن الشعب الجزائري يلتحم كرجل واحد لمواجهة الغزاة، لكن بمجرد ما يطردهم  يعود إلى صراعاته الداخلية، ويتكاسل نوعا ما بدل بذل مجهود أكبر لبناء قوة تصد أي عدو، ولعل ذلك بسبب الإرهاق الذي وقع له بسبب مواجهة الغزاة، فيقع مرة أخرى تحت نير غزو جديد للأسف الشديد. نعتقد أن هذه المرة يجب علينا إستخلاص الدروس من تاريخنا، فنثمن الإيجابي، وندعمه، ونجتنب السلبي، ونعمل على عدم تكراره.

ففي ثورة نوفمبر دفعنا ثمنا باهظا لتحرير الجزائر وإنشاء دولتنا الوطنية، مما يتطلب الحفاظ عليها، وذلك ببذل الجهد لبناء جزائر قوية في كل المجالات، مما يجعلها رادعة لكل من يحاول الإقتراب منها أو المساس بسيادتها ووحدتها، فكما دفع أجدادنا وأباءنا ضريبة الدم لتحرير الجزائر، فما علينا نحن اليوم إلا دفع ضريبة العرق كي لانظطر مرة أخرى لدفع ضريبة الدم كما كان يقع في ماضينا، فعلى أجيال اليوم والمستقبل أن تعي مدى التضحيات والثمن الذي دفعناه لإقامة دولتنا ، كما عليها أيضا أن تستلهم من نوفمبر روح الوحدة في جبهة واحدة لطرد الإستعمار، وهي نفس الوحدة والتكاتف الذي  نحتاجه اليوم لمواجهة كل المناورات والمؤامرات التي تتعرض لها الجزائر من أعدائها، وكذلك لمواجهة عدو آخر، وهو التخلف، فالجزائر في حاجة إلى جبهة وطنية تجمع كل القوى لمواجهة التخلف.

ولانكتفي بذلك، بل علينا أيضا أن نحول ثورتنا إلى قوة ناعمة مؤثرة عالميا وإقليميا، وذلك بتخليد مآثرها وبطولات شعبنا، ويمكن أن نوظف في ذلك الكثير من الأدوات التي تنشيء القوة الناعمة- حسب الأمريكي جوزيف ناي-، وهي الإعلام والآداب والفكر والفنون، وعلى رأسها السنيما وغيرها، ونعتقد أن قرار إنشاء فرع الفنون في الثانويات يدخل في هذا المجال، ويستهدف تكوين  فنانين وسنيمائيين ومخرجين وممثلين من طراز عال جديد، مما يسمح لهم بإنتاج أفلام ومسلسلات حول تاريخ شعبنا وبطولاته وإنجازاته ومآثر ثورتنا كي تصل إلى كل أنحاء العالم، فلا تعود لنا فقط بالفائدة المادية من تسويقها بصفتها صناعة، بل أيضا إنشاء قوة ناعمة جزائرية، فلنذكر بان أمريكا أعطت اولوية لهوليود كي تنشر تاريخها وثقافتها ونمط عيشها في العالم، وترهب أعداءها، ونفس الأمر تقوم به تركيا أرٍدوغان في السنوات الأخيرة بواسطة السنيما والفنون، فيجب علينا نحن أيضا ان نقوم بنفس الأمر، صحيح ان ثورتنا كانت محل إستلهام للشعوب المستعمرة، لكننا اليوم نحن بحاجة ماسة لتحويلها إلى قوة ناعمة كما سبق أن أشرت. فالثورات لاتخلد فقط بمآثرها وبطولاتها، بل أيضا بإعطاء نموذج سياسي وإجتماعي وإقتصادي ناجح عالميا بناء على مبادئها وأسسها وقيمها، فيستلهم منها العالم كما فعلت الثورتين الفرنسية1789 والأمريكية1776.

 في سياق إهتمامات الدولة الجزائرية متمثلة في إرادتها السياسية بعدة مبادرات من أجل المحافظة على الذاكرة و التاريخ ، ما هي قراءتكم لمثل هذه المبادرات ؟

          ما علينا إلا تثمين كل هذه المبادرات التي يجب أن تتطور أكثر، وتأخذ أبعادا أكبر، فالحفاظ على إستمرارية الدولة الوطنية وديمومتها وإستقرارها، مما يسمح بتراكم تنموي يتطلب معرفة أجيال الحاضر والمستقبل الثمن الذي دفعناه من أجل إقامتها. فعلينا أن نأخذ بما قاله بن خلدون بأن الدول تنهار، وتسقط عندما يأتي جيل يجهل الثمن الذي دفع من أجل إقامتها، ومن هنا يأتي ضرورة المحافظة على الذاكرة وتلقينها للأجيال. طبعا نجد اليوم إنشاء لقناة الذاكرة وتحديد يوم 08ماي كيوم للذاكرة، إضافة إلى فتح عدة أقسام للتاريخ وتكوين باحثين والإهتمام بالتاريخ في المدرسة، لكن يجب توظيف الفنون أيضا للمحافظة على الذاكرة ونقلها حتى للعالم، وهو ما بدأ في السنوات الأخيرة من خلال عدة أفلام حول رموز وطنية التي يجب التوسع فيها أكثر.

 في إطار الاحتفالات بذكرى الإستقلال نلاحظ نمطية تتكرر كل سنة ، ما رأيكم في ذلك ؟

     صحيح، وهو ما من شأنه إثارة الملل ثم عدم الإهتمام، وهو ما يتطلب التجديد والإبداع الدائم في طرق وأساليب الإحتفالات وتخليد مختلف احداث تاريخنا الوطني.

 بالحديث عن تاريخ الجزائر، كيف يمكننا توطيد العلاقة بين الشباب و الذاكرة، و ما هي السبل المثلى لإيصال الذاكرة للأجيال الصاعدة ؟

          هناك عدة أساليب لذلك، ومنها الأساليب التقليدية المعروفة كالمدرسة والمسجد ووسائل الإعلام المختلفة وغيرها، لكن اليوم دخل العالم في ثورة إعلامية بظهور تكنولوجيات الإتصال الجديدة التي يجب توظيفها بشكل أحسن وفعال كمواقع التواصل الإجتماعي، وكذلك الفيديوهات القصيرة، لكن المعبرة أفضل، إلا أننا نعتقد أن الفنون، خاصة السينما هي من أفضل الوسائل لذلك فلنتصور كيف تفاعل الإنسان الجزائري مع فيلم حول الشهيد مصطفى بن بولعيد مثلا، ونعتقد انه نفس الأمر وقع مع أفلام مماثلة له، فعندما نمتلك سنيمائيين كبار يمكن لنا تصوير أفلام عن كل شخصيات تاريخنا وإبراز أحداثه ومآثره، ويمكن وضع عدة أفلام أو مسلسلات حتى عن شخصية واحدة آنذاك أو حدث معين بتناول جوانب عدة عنها في كل إنتاج سنيمائي.

في رأيكم هل أخذت مادة التاريخ نصيبها الذي تستحقه من المنظومة التربوية ؟

هناك إهتماما كبيرا بالتاريخ بكل مراحله في مدارسنا، لكن نحتاج إلى تطوير أساليب وطرق التدريس لجذب إهتمام التلاميذ، هذا من جهة، كما أن التاريخ مادة أساسية لبناء الأمة بإستيعاب كل مراحلها لكن ما نسجله هو أن هناك بعض الأحداث التاريخية تعطى في المرحلة الإبتدائية او المتوسطة فقط، لكن التلميذ لايستوعبها على شكل أفضل بحكم عمره، ولهذا يجب إستحداث في نظري مادتين للتاريخ، أحدها تاريخ عام يهتم بتاريخ العالم، وأخرى خاصة بتاريخ الأمة الجزائرية فقط بهدف بناء الأمة وغرس روح الإنتماء القوي إليها، وكذلك  الروح الوطنية. فهذا التاريخ الخاص بالأمة يجب أن يتكرر في كل طور من أطوار التربية والتعليم، ففي الإبتدائي نكتفي بملامح حسب قدرة الطفل على الإستيعاب، ثم نتوسع في نفس تلك الملامح في المتوسط، لنتوسع أكثر في الثانوي، ولما لا حتى لطلبة الجامعات في كل التخصصات، فيغرس تاريخ الأمة الجزائرية الممتد عبر آلاف السنين في ذهن كل مواطن جزائري، فأنا من دعاة فرض وتلقين إلياذة الجزائر لمفدي زكريا على كل تلامذتنا في كل الأطوار، ليس فقط بحفظها، لكن بإستيعاب وفهم كل مضامينها ومعانيها، فإلياذة الجزائر لمفدي زكريا هي أكثر تعبيرا بواسطة الشعر عن تاريخ الجزائر وجغرافيته وكل أمجادنا الحضارية وبطولات شعبنا منذ القديم إلى ما بعد 1962.

كلمة أخيرة توجهها للشباب و الطلبة عامة و لدارسي تخصص تاريخ بصفة خاصة ؟

نعتقد أنه على شبابنا أن يدركوا الثمن الباهظ الذي دفعه شعبنا لإقامة دولته الوطنية التي يجب الحفاظ عليها بالكد والعمل والجد، ولا يسمع للذين يصطادون في المياه العكرة، ويريدون زرع اليأس وتحطيم معنويات شعبنا، فالمعنويات المرتفعة مهمة جدا في أي عملية بناء للدولة، كما عليهم أيضا الإنتباه إلى ما يحاك ضد الجزائر ووحدتها بتوظيف وسائط التواصل الإجتماعي في إطار إشعال حروب ذاكرة بين الجزاائريين والتشكيك في كل تاريخهم ورموزهم بهدف ضرب الأسس التاريخية للدولة الوطنية، ويدخل ذلك كله في إطار حروب الجيل الرابع والخامس التي يشنها علينا منذ سنوات أعداء الجزائر والمتربصين بها وبوحدتها وتماسكها.

أما بالنسبة للطلبة عامة ولدراسي التاريخ خاصة، فأنصحهم بالتفتح على كل اللغات، فهي مهمة جدا لإكتساب العلوم، فليعلموا بأن كل علم أو تخصص له لغته، صحيح أن الإنجليزية هي لغة الحضارة اليوم، كما كانت اللغة العربية هي لغة الحضارة الإسلامية والفرنسية هي لغة الحضارة في القرنين18و19، وممكن مستقبلا ستصبح الصينية هي لغة الحضارة، لكن هل دارس الفلسفة مثلا يحتاج إلى الأنجليزية أكثر أم إلى الألمانية؟

ونوجه نفس النصيحة بالنسبة لدارسي التاريخ، فكل تخصص له لغته أو لغاته، أو على الأقل نفهم ونستوعب العربية الكلاسيكية المتداولة في العصر الوسيط مادام أن أغلب مصادره بهذه اللغة، فمثلا تخصص تاريخ الثورة والفترة الإستعمارية الفرنسية في الجزائر يحتاج إلى معرفة اللغة الفرنسية برغم أنها لغة الإستعمار، فنحن لانقول القدرة على الكتابة بها، بل على الأقل فهم وإستيعاب ما نقرأه بها لأن أغلب الوثائق والخطاب التاريخي في هذه الفترة الإستعمارية الفرنسية مكتوب بهذه اللغة، بما فيها أغلب مذكرات وشهادات الفاعلين التاريخيين، فليعلموا أن الترجمة ليست أمينة، بل علينا بالعودة إلى اللغة الأصلية التي كتب بها أي كتاب او وثيقة أو مصدر ما.

ضرورة معرفة الماضي لفهم الحاضر و بناء المستقبل

كما ننصحهم بالتفتح على العلوم الأخرى، فالبحث التاريخي يحتاج إلى عدة علوم مساعدة كعلم السياسة والإجتماع والنفس والجغرافية وغيرها، إضافة إلى معرفة المناهج الجديدة في البحث، ومنها تمحيص الأرشيف وتفكيكه لأنه عادة ما نقع في مطبات كبرى، لأننا لانعرف قراءة الأرشيف وتمحيصه وتفكيكه والتمييز بين الأصيل والمزيف فيه. كما على دارسي التاريخ القيام بدورهم في تحقيق الهدف من الدراسات التاريخية، وهي بناء الأمة الجزائرية وتمتين وحدتها من جهة، ومن جهة أخرى المساهمة في فهم حاضرنا وتفسيره تاريخيا، مما يسمح لنا ببناء مستقبلنا على أسس  سليمة، فالهدف من دارسة التاريخ ليس فقط الحفاظ على الذاكرة، بل أيضا معرفة الماضي لفهم الحاضر من اجل بناء المستقبل.

شارك رأيك

التعليقات

لا تعليقات حتى الآن.

رأيك يهمنا. شارك أفكارك معنا.

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2024.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2024.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services