810
1
الكشف المبكر والدعم النفسي... الحصن المنيع ضد براثن سرطان الثدي
أكتوبر الوردي بالجزائر

تكرس السلطات خلال شهر أكتوبر من كل عام جهودها لإطلاق موجة وطنية واسعة من الحملات التضامنية والتوعوية، تهدف إلى توعية الجزائريات بخطورة سرطان الثدي، وتشجيعهن على الكشف المبكر، باعتباره السلاح الأنجع للوقاية وتقليص نسب الإصابة وحماية حياتهن.
نسرين بوزيان
ً
وقد جرى اعتماد شهر أكتوبر شهرا عالميا للتوعية بسرطان الثدي منذ عام 2006، استنادا إلى الجهود الدولية الرامية إلى تسليط الضوء على أهمية الكشف المبكر في خفض معدلات الوفيات وتحسين فرص الشفاء التي قد تتجاوز 95 في المئة.
بدأت فكرة تخصيص شهر للتوعية بسرطان الثدي في الولايات المتحدة الأمريكية عام 1985، من خلال شراكة جمعت الجمعية الأمريكية للسرطان وقسم الأدوية في شركة "إمبيريال كيميكال إنداستري" الطبية، بهدف الترويج لتصوير الثدي بالأشعة السينية باعتباره الوسيلة الأكثر فعالية للكشف المبكر عن المرض.
وبفضل دعم السيدة الأولى أنذاك وناجية سرطان الثدي بيتي فورد، تحولت المبادرة إلى حملة وطنية استمرت اسبوعا كاملا من شهر أكتوبر، بعد أن أعلنت إصابتها بالمرض خلال فترة رئاسة زوجها جيرالد فورد للولايات المتحدة ، وقد أسهمت شجاعتها في لفت انتباه الرأي العام إلى خطورة المرض وضرورة الحديث عنه علنا.
رمزية الشريط الوردي

في مطلع تسعينيات القرن الماضي، أطلقت الأميركية شارلوت هالي، وهي حفيدة وابنة وأخت لنساء عانين من سرطان الثدي، حملة رمزية بصنع شرائط يدوية باللون الوردي الخوخي المائل إلى البرتقالي الزهري، اختارت هذا اللون لما يحمله من معاني النعومة والأنوثة والأمل، في مقابل الألم والمعاناة التي يسببها المرض.
وانتشرت الحملة بسرعة ولفتت انتباه وسائل الإعلام والشركات الكبرى التي طلبت من هالي الإذن باستخدام رمزها، لكنها رفضت تحويل مبادرتها إلى مشروع تجاري حفاظا على هدفها الإنساني، في المقابل، تبنت مجلة "سيلف" الأميركية الفكرة مع تعديل طفيف في لون الشريط ليصبح ورديا بالكامل، لتتمكن من استعماله بحرية ضمن حملتها السنوية للتوعية بسرطان الثدي، ومن هنا ولد الشريط الوردي الذي أصبح لاحقا الرمز العالمي للأمل والتضامن والوعي ضد سرطان الثدي.
يتشكل سرطان الثدي موضعيا في خلايا الثدي، ويصيب كلا من الرجال والنساء، غير أنه يعد الأكثر شيوعا بين النساء على الصعيدين المحلي والعالمي.
أعراض تستدعي الانتباه

لا تظهر أعراض المرض عادة في مراحله المبكرة، وإنما تبدأ بالظهور مع نمو الورم، مثل سماكة أو تورم في جزء من الثدي، أو ظهور كتلة في منطقة الثدي أو الإبط، أو تغير في حجم أو شكل الثدي، مع احتمال الشعور بألم مستمر أو ملاحظة تقشر أو حكة في الجلد أو الحلمة، إضافة إلى تغيرات في مظهر الحلمة أو إفرازات غير طبيعية منها.
عوامل تزيد من خطر الإصابة
تتعدد عوامل خطر الإصابة بسرطان الثدي، إذ ترتبط اساسا بالجنس والعمر، وتزداد احتمالية الإصابة مع التقدم في السن، كما تسهم العوامل الوراثية والتاريخ العائلي والتعرض للإشعاع والسمنة واضطرابات الهرمونات وبداية الطمث المبكرة أو انقطاعه المتأخر، والإنجاب بعد سن الثلاثين أو عدم الحمل مسبقا، في رفع نسبة الخطر.
الوقاية ممكنة بنمط حياة صحي
توصي الجهات الصحية النساء باتباع نمط حياة صحي للحد من احتمال الإصابة، من خلال الحفاظ على وزن متوازن، وممارسة النشاط البدني بانتظام، وتناول غذاء متنوع وغني بالخضر والفواكه، وتجنب التدخين والكحول، مع الحرص على الرضاعة الطبيعية التي أثبتت الدراسات أثرها الوقائي.
الكشف المبكر الركيزة الأساسية للوقاية

يبقى الكشف المبكر الركيزة الأساسية لتقليل الوفيات الناتجة عن سرطان الثدي، إذ يمكن من اكتشاف الورم في مراحله الأولى، ما يرفع نسب الشفاء بشكل كبير. لذلك ينصح بإجراء الفحوص الدورية المنتظمة والفحص الذاتي، واستشارة الطبيب عند ملاحظة أي تغير في الثديين.
العلاج يتطور باستمرار
يختلف العلاج حسب نوع الورم ومرحلته ومدى انتشاره، ويحدد وفق الحالة الصحية العامة للمريضة، وتشمل الخيارات الجراحة لاستئصال الورم أو الثدي بالكامل، والعلاج الإشعاعي لتدمير الخلايا المتبقية، والعلاج الكيميائي لمهاجمة الخلايا المنتشرة، إلى جانب العلاج الهرموني الذي يمنع تأثير الهرمونات على نمو الورم.
وقد شهدت السنوات الأخيرة تطورا ملحوظا في العلاجات الموجهة والمناعية التي تستهدف الخلايا السرطانية بدقة، مما ساهم في تحسين نسب التعافي ونوعية الحياة لدى المريضات.
الوعي بسرطان الثدي يمتد إلى المناطق النائية

أوضحت الأمينة العامة لجمعية الأمل ورئيسة الفيدرالية الجزائرية لمرضى السرطان، حميدة كتاب، في حديثها " لـبركة نيوز "، أن شهر أكتوبر يعد محطة مهمة للتذكير بأهمية الكشف المبكر عن سرطان الثدي، مشيرة إلى أن اللون الوردي يرمز إلى الأمل، خاصة في ظل التطور الكبير الذي تعرفه العلاجات الحديثة، والتي تتيح تحقيق نسب عالية من الشفاء.
وأكدت كتاب أن سرطان الثدي لم يعد مرادفا للموت، بل أصبح يصنف كمرض مزمن وفق ما أقرته منظمة الصحة العالمية، موضحة أن الفارق بينه وبين الأمراض المزمنة الأخرى، مثل ارتفاع ضغط الدم أو السكري، هو أن الكشف المبكر يمنح فرصة كبيرة للشفاء التام.
وأضافت أن الجزائر تسجل أكثر من 15 ألف حالة جديدة سنويا من سرطان الثدي، إلى جانب حوالي 4200 وفاة، أي بمعدل 13 حالة وفاة يوميا، ما يستدعي مضاعفة جهود التوعية والتحسيس، لأن الكشف المبكر يظل الوسيلة الأنجع لمحاربة المرض.
وبينت أن جمعية الأمل تعمل على إيصال هذه الرسالة إلى جميع النساء، ليس فقط في المدن الكبرى، بل ايضا في القرى والمناطق النائية، من خلال إطلاق حافلة "ماموبيل" المجهزة بالمعدات والتقنيات الضرورية لتقريب خدمات الكشف من المواطنات، وترسيخ مبدأ الإنصاف والعدالة الصحية.
ونوهت بالتطور الحاصل في مستوى الوعي المجتمعي، مبرزة أن حملات الكشف في الجنوب الجزائري شهدت تفاعلا واسعا، حيث شارك الرجال في حجز المواعيد لزوجاتهم وأخواتهم، وهو ما يعكس تغيرا إيجابيا في الذهنيات وتزايد المشاركة المجتمعية في الوقاية من المرض.
السلاح الأقوى في المواجهة

من جهتها، أكدت الطبيبة المختصة في أمراض وجراحة أورام الثدي، الدكتورة سناء قناوي، لـ" بركة نيوز" أن السلطات العليا توفر بروتوكول علاج موحدا لمرضى السرطان، يشمل تقنيات علاجية حديثة ومتنوعة، تضم الجراحة والعلاج الإشعاعي والكيميائي والهرموني والموجه، موضحة أن اختيار الخطة العلاجية يتم وفق نوع الورم ومرحلة المرض والحالة الصحية العامة للمريضة.
وشددت قناوي على أن التشخيص المبكر هو السلاح الأقوى في مواجهة سرطان الثدي، لما له من دور حاسم في رفع نسب الشفاء وتحسين نوعية الحياة.
قصص جزائريات بين الهجر والدعم

على مواقع التواصل الاجتماعي، تتداول نساء جزائريات قصصا مؤثرة حول تجاربهن مع المرض، فبينما عانت بعضهن من الهجر والخذلان، وجدت أخريات الدعم والمساندة من أزواج وأسر وقفوا إلى جانبهن حتى مرحلة الشفاء.
تقول باية: " أنا مريضة بسرطان الثدي، أجريت استئصالا للثدي الأيسر وأكملت العلاج الكيميائي والإشعاعي والموجه، هجرني زوجي وطلقني، ما اثر في نفسيتي وجعلني أفقد الثقة في ذاتي".
أما أسماء فتروي:" تزوج بي وهو على علم بمرضي، وظل إلى جانبي بدافع الحب، اكتشفت إصابتي بعد شهر واحد من الخطوبة، وأكملت العلاج ثم تم الزواج. غير أنه بعد خمسة أشهر فقط، وأمام أول خلاف مع عائلته، أهانوني بسبب مرضي، فاختار الوقوف إلى صفهم، ثم طلّقني قائلا أن حبه لي قد انتهى".
في المقابل، تقول منال:" الحمد لله، زوجي وقف معي في كل الأوقات، وخاصة أثناء فترة العلاج، أسأل الله أن يحفظه ويحقق له ما يتمنى".
وتحكي بتول قصتها بألم:" صبرت معه ثمانية عشر عاما، وكان عقيما، ويوم تدهورت صحتي تخلى عني، لن أنسى
كلمته التي قالها لي: لقد أشمأزت منك، وبالدارجة عفتك ،ورغم أنني تزوجت بعده، ما زال وقع كلماته يطاردني إلى اليوم.
مساس برمز الأنوثة
ً 
في هذا السياق، أوضحت الأخصائية النفسانية العيادية بمستشفى بني مسوس، فاطمة عوي، لـ" بركة نيوز" أن سرطان الثدي يعد من أكثر أنواع السرطانات شيوعا لدى النساء، وأن إدراك المريضة لإصابتها يشكل صدمة نفسية قوية تمر عبر مراحل متعددة.
تبدأ بالإنكار كآلية دفاعية لتخفيف وقع الصدمة، ثم الغضب والتساؤل: لماذا أنا؟ ولماذا الآن؟، وهو غضب نابع من فقدان السيطرة على الحياة والتغير الجذري الذي يطرأ عليها.
بعدها تمر المريضة بمرحلة المساومة، فالاكتئاب والشعور بالذنب، إذ قد تعتقد أحيانا أن إصابتها عقاب على أخطاء سابقة، فتميل إلى العزلة وتفقد الثقة بنفسها وصورتها الجسدية.
ومع الدعم النفسي والاجتماعي المناسب، تصل المريضة في النهاية إلى مرحلة التقبل والتكيّف مع واقعها الجديد والانخراط مجددًا في الحياة.
وترى عوي أن سرطان الثدي لا يعتبر مجرد مرض جسدي، بل هو مساس برمز الأنوثة لدى المرأة، ما قد يخلق أزمة وجودية وصورة سلبية عن الجسد، لذلك تؤكد على ضرورة الحديث الصريح والواضح مع المريضة منذ البداية، مع إبراز نسب الشفاء العالية، والاستعانة بقصص ناجيات لتعزيز الأمل والثقة.
وشددت الأخصائية على أهمية تشجيع المريضة على التفريغ النفسي عبر أنشطة بدنية وتمارين استرخاء، ومساعدتها في مرحلة الاكتئاب على التعبير عن مشاعرها كتابة أو كلاما، إضافة إلى مساندتها نفسيا واجتماعيا من خلال التأكيد على قيمتها داخل الأسرة والمجتمع، بعيدا عن مشاعر الشفقة التي قد تؤذيها.
واختتمت عوي بدعوة المحيط العائلي إلى بثّ الأمل والابتعاد عن إظهار الحزن أو الأسى أمام المريضة، مع التحلي بالصبر ومرافقتها في جميع مراحل العلاج، والالتزام بتوصيات الأطباء من حيث المواعيد والدواء والنظام الغذائي، وتشجيعها على ممارسة النشاطات الرياضية والاجتماعية وتنمية مهارات جديدة للحفاظ على التوازن النفسي والوقاية من الانتكاس.
ويبقى الكشف المبكر والتوعية المستمرة السلاح الأقوى لكل امرأة لحماية حياتها وصحتها من براثن هذا الداء الخبيث.

