1217

0

أخبار و أسرار في  مشوار موكب الابرار الاخيار مالك بن نبي، مسيرة حياة كفاح و منازلات حضارية في حلبات صراع الأفكار

معلومات جديدة سينبهر بها خاصة قارئ كتب بن نبي المترجمة للعربية، ويكتشف أنه على جهل تام ببعضها !!

 

 

 

 

مصطفى محمد حابس : جينيف / سويسرا

ونحن نسعى مع بعض الإخوة الأفاضل والفضليات في أوروبا المهتمين بالدراسات الحضارية و الصراع الفكري عموما، قصد تنظيم ندوة دولية حول مذكرات مالك بن نبي وذكريات بعض طلبته عن استاذهم و ملهم الأجيال، قصد رسم نظرة مبسطة حول حياة المفكر الجزائري مالك بن نبي في بداية القرن العشرين، ومسيرته التي تنوعت بين الأمل والإحباط، وكيف تأثرت بالظروف الاجتماعية والسياسية في الجزائر وفرنسا، و ذلك بمناسبة ذكرى رحيله الـ 51، يوم 31 أكتوبر الجاري، رغبة وطمعا في تنوير المسلمين الناطقين بالفرنسية، آملين في استضافة بعض قدماء طلبة مالك وهم كثر في الداخل والخارج لإماطة الغبار عن هذا التراث المتراكم الواعد الذي لو تيسرت له فرص ليرى النور الآتي أكله و لو بعد حين بإذن الله رب العالمين ..

  إلا أننا صدمنا بعد اتصالات و مشاورات و لقاءات بكل أسف و بعد نصف قرن من رحيل بن نبي، لا يزال بعض طلبته مترددون في الادلاء بشهادتهم و ذكرياتهم مع 

أستاذ الأجيال، فأجلت الندوة الى نهاية السنة بحول الله!!

 

عاش مالك بن نبي في أيامه الأخيرة في معاناة وضنك، بعد أن لاحقه التهميشَ 

 من ذوي القربى !!

لا يغيب على نباهة الدارس المنصف أن مالك ابن نبي واجه خلال حياته مشاكل لا تحصى ولا تعد إبان الاحتلال الفرنسي للجزائر هو و بعض المثقفين  من جيله أمثال  زميله المرحوم حمودة بن الساعي وغيرهما، أما بعد استقلال الجزائر، فقد حوصر رجال الإصلاح عموما، منهم رجال جمعية القيم التي خلفت جمعية العلماء، والتي تحتاج دراسة خاصة لوحدها. أما مالك بن نبي فقد لاحقه التهميشَ خصوصًا بعد انقلاب بومدين على بن بلة، ليقرر بعدها مالك التفرغ للكتابة والتأليف عن مشكلات الحضارة وهموم الأمتين العربية والإسلامية، واحتل الهمُّ الجزائري الحيز الأكبر من كتاباته؛ وفي معظم مؤلفاته التي جاوزت عشرات الكتب، كان ابن نبي يصرخ بأعلى صوته بأن أزمة العالم الإسلامي إنما هي أزمة حضارة، وأنه لا حل لها إلا ضمن مشروع إنشاء حضارة إسلامية جديدة.

عاش مالك بن نبي في أيامه الأخيرة في معاناة وضنك بعد أن نفدت أمواله وخارت قواه، ليغادر الحياة في صمت في الحادي والثلاثين من أكتوبر/ تشرين الأول عام 1973م.

 

ومات مالك "محقورا" في بلاده بين أهله و امام أعين العالم  الإسلامي !! 

 

أذكر أنه ، أثناء انعقاد ملتقى الفكر الإسلامي بتبسة 1987م ، كنت أقيم في نفس الفيلا مع مجموعة ضيوف كبار و انا أصغرهم، منهم الأستاذ الساسي لعموري الذي كان مدرسا في معهد الشريعة بجامعة الجزائر، قبل أن يصير وزيرا للشؤون الدينية بسنوات، وحدثني كثيرا عن آخر سنوات حياة مالك بن نبي، منه قوله لي، أن الأستاذ مالك كان يشتكي لنا بصداع كبير في الرأس، قائلا له :" يا سي الساسي ، هذه الضربة التي تلقيتها في رأسي هي التي تقضي على حياتي"، وفعلا  هذه الرواية متداولة عند طلبة مالك، أن بعض الأشرار هاجموا ليلا على مالك بن نبي في بيته وضربوه بعصي على رأسه، وقيل ايامها أنهم عملاء فرنسا أو مخبريها  أو ..أو  بأمر من السيد (س) كما يحلو لمالك بن نبي تسميته، و من تلك الواقعة نظمت مداومة من المتطوعين من طلبة مالك لحراسة بيته، مدة السنوات الأخيرة من عمره.  

كان مالك بن نبي منذ شهر سبتمبر 1973 في فرنسا للعلاج في مستشفى بيتيي سالبيترير في باريس ، وغالباً ما يكون في غيبوبة، على حد تعبير بعض طلبته. حيث تم تشخيص إصابته بسرطان البروستاتا النقيلي أين انتشر الورم الخبيث في جسمه. ولم يُسمح له قبل ذلك بمغادرة الجزائر للعلاج في الخارج إلا بالكاد، على الرغم من رغبة أقاربه في إجلائه إلى فرنسا في يوليو/ جويلية، قبل أن يستفحل مرضه و يستعصي على العلاج. وبعد معاينة حالته الصحية وبأسابيع نصح الأطباء في فرنسا أسرته بأنه لا يوجد شيء يمكن القيام به من أجل إنقاذ حالته طبيا وعاجلا، لذا فمن الأفضل إعادته إلى وطنه الجزائر، وفي 31 أكتوبر توفي مالك في منزله بالعاصمة الجزائرية.

 

 تعزية فاترة في وفاة مالك، من ذوي القربى في أرض المليون شهيد!! 

 

عند موت مالك بن نبي (رحمه الله)، كما يذكر أستاذنا الدكتور عمار طالبي، رغم أن يومها كان الدكتور أحمد طالب الابراهيمي وزير الاعلام والثقافة ( 1970-1977)، لم يعلن عنه لا مذياع ولا تلفاز أيامها واكتفت - على استحياء و بجفاء - جريدة جزائرية مغمورة، أظنها المجاهد بالفرنسية، بإعلان وفاته في فقرة بحجم إعلانات التعازي، في أسفل إحدى صفحاتها الداخلية، حيث كتبت :


Cet entrefilet de la taille d’une petite annonce était ainsi rédigé : « Le penseur musulman algérien Malek Bennabi s’est éteint hier soir en son domicile à la suite d’une longue maladie. Les obsèques auront lieu le 2 novembre à 14H, après la prière du vendredi. La levée du corps s’effectuera au 50 Avenue Franklin Roosevelt, Alger.  M. Bennabi est connu pour ses nombreux ouvrages, parmi lesquels il faut signaler particulièrement : « Conditions de la renaissance », « Vocation de l’Islam », « Le problème des idées dans le monde musulman ».


ما يمكن ترجمته، كالتالي :" توفي مساء أمس المفكر الاسلامي الجزائري مالك بن نبي بمنزله بعد صراع طويل مع المرض. وستقام الجنازة يوم 2 نوفمبر (1973)، على الساعة 2 ظهرا، بعد صلاة الجمعة (في مسجد الطلبة). كما سيتم - قبل ذلك - نقل الجثة من مسكنه، الكائن بـشارع فرانكلين روزفلت، رقم 50 بالجزائر العاصمة. و يُعرف السيد بن نبي بمؤلفاته العديدة، نذكر منها بشكل خاص: “شروط النهضة”، “وجهة العالم الإسلامي”، “مشكلة الأفكار في العالم الإسلامي”!! 

ويضيف شيخنا الدكتور عمار طالبي في شهادته :

وفي اليوم التالي، تم نقل جثمان مالك إلى مسجد الطلبة بجامعة الجزائر المركزية حيث أقيمت على روحه صلاة الجنازة. وحمل موكب جماهيري طويل جدا نعشه إلى مقبرة سيدي امحمد ببلكور (بلوزداد) حيث دفن بجوار علي الحمامي والدكتور عبد العزيز الخالدي. وعلى مسافة غير بعيدة يوجد قبر العلامة الشيخ بشير الإبراهيمي، الذي توفي في مايو/ أيار 1965".  كما يلاحظ الدكتور عمار طالبي بقوله: " وفي اليوم التالي لوفاته، لم تنشر الا فقرة صغيرة جدا حول وفاة مالك بن نبي في أسفل صفحة من جريدة في الصحافة الجزائرية الرسمية التي يشرف عليها رسميا أحمد طالب الإبراهيمي، وزير الثقافة والإعلام !!"( 1 ).

Le lendemain, sa dépouille est transportée à la mosquée de l’Université d’Alger où est célébrée la prière des morts en présence de l’auteur de ces lignes (Pr Ammar Talbi). Un très long cortège porte sa dépouille jusqu’au cimetière de Sidi M’hamed à Belcourt où il est enterré à côté de Aly al-Hammamy et du Dr. Khaldi. Non loin, se trouve la tombe de Cheikh Bachir al-Ibrahimi, décédé en mai 1965. Le lendemain du décès, c’est à peine si un petit entrefilet en bas de page a été publié dans la presse officielle algérienne contrôlée par Ahmed Taleb al-Ibrahimi, devenu ministre de l’information et la culture, pour annoncer la nouvelle (2). 

 

 

العالم الإسلامي في حداد، برحيل مالك بن نبي مفكر عصره

 

 

كما يذكر أستاذنا الدكتور عمار طالبي، يومها أن من الشخصيات المعزية الممثلة للدول من عالمنا العربي والإسلامي، وحده الزعيم الليبي معمر القذافي الذي أوفد ممثلا لحكومته في جنازة مالك بن نبي، وهذا الذي يبين لنا فعلا و قطعا، ما كتبناه في مقال سابق، الذي تطرقنا فيه باقتضاب لمشروع جمع تراث أول مسجد طلبة في تاريخ الجزائر المعاصر وصاحب فكرته، المفكر الراحل مالك بن نبي، وقد اعترفنا يومها كما قد يكون قد اعترف غيرنا، بمعلومات جديدة عن حياة مالك بن نبي، نسمع عنها لأول مرة لما تطرقنا لسيرة نماذج من أساتذتنا الذين ترعرعوا في أكناف هذا المسجد الطلابي النموذجي، وما رووه لنا عن تلك الحقبة، منها شهادة الأستاذ الكفيف أحمد قتال - متعه الله بالصحة والعافية - الذي كان من المواظبين على ندوات مالك بن نبي في مسجد الطلبة، قوله: "أن السفارة الليبية هي التي كانت تدفع نفقات علاج مالك بن نبي في باريس في سبعينات القرن الماضي، وليس الدولة الجزائرية آنذاك، كما يزعم بعضنا!!" (4).  .

ومن الضفة الأخرى في ذات اليوم، أي يوم وفاة الأستاذ مالك، يلاحظ المؤرخ الجزائري صادق سلام المقيم في فرنسا، ما كتبته مجلة ( فرانسا - إسلام)، في تعزيتها متسائلا بقوله : من يكون هذا الرجل، الذي عرفت قيمته عند البعض ، بينما الكثير من شباب المسلمين لا يعرفونه؟

Qui est cet homme dont la valeur est connue chez certains et que beaucoup de jeunes musulmans ignorent ?

وتحت عنوان : العالم الإسلامي في حداد، برحيل مالك بن نبي، كتبت مجلة ( فرانسا - إسلام) أي " الصداقة الإسلامية في فرنسا" ما ترجمة نصه : 

"العالم الإسلامي يفقد أحد أنبل أبنائه الأعزاء، المفكر الكبير مالك بن نبي يرحل عن   دنيانا."

كما تقدم (فرنسا - الإسلام) تعازيها لعائلته وللجزائر وللشعوب الإسلامية قاطبة". مضيفة بقولها في خاتمة التعزية:" توفي يوم 31 أكتوبر/ تشرين الأول بالجزائر العاصمة، كاتب النهضة الإسلامية مالك بن نبي، بعد صراع طويل مع المرض، عن عمر يناهز 68 عاما. وتتقدم (فرنسا-الإسلام) بتعازيها لعائلته وأتباعه في كل أنحاء العالم الإسلامي". (5)

A la mémoire de Malek Le monde islamique en deuil…

Un de ses enfants les chers, le grand penseur Malek Bennabi n’est plus. France-Islam adresse à sa famille, à l’Algérie ainsi qu’à tous les peuples islamiques ses condoléances les plus attristées.
L’écrivain de la renaissance musulmane Malek Bennabi est mort le 31-10 dernier à Alger après une longue maladie, à l’âge de 68 ans. France-Islam présente ses condoléances à sa famille et à ses disciples dans tout le monde musulman (Par Sadek Sellam).

 

   تأثير الاستعمار الاستيطاني في ثقافة الشعوب : 

 

من القضايا التي يشتد حولها الجدل، بين الأجيال و الأوطان، تأثير الاستعمار الاستيطاني في ثقافة الشعوب التي خضعت سنوات طويلة لهذا الاستعمار، كالجزائر، طيلة 132 سنة ، وغيرها من دول العالم الإسلامي من طنجة الى جاكارتا، قد أحدث تشويها ملحوظا في ثقافة الشعوب التي استعمرت. ذلك ما عاشه المفكر مالك بن نبي، و أراد تنبيه الأمة بمخاطره عبر الأجيال، بكتاباته القيمة حتى و لو بلغة فولتير، لغة المستعمر، اللغة الفرنسية !! 

 

فلا يختلف اليوم  إثنان و لا يتناطح عنزان حول أمر جوهري وذي بال كهذا، لأن لغة مالك هي الفرنسبة، فبحسب لغة الدراسة الجامعية وما قبل الجامعية لمالك بن نبي، وبحسب لغة التأليف والكتابة الصحفية، وبحسب القراءات المعرفية المبكرة وما بعدها، وبحسب لغة الاحتكاك الاجتماعي لفترة طويلة في عمق المجتمع الفرنسي في فرنسا و في الجزائر إبان الاستعمار، فإنه يعتبر فرانكوفونيا من هذه الزوايا كلها، لأن اللغة التي كان يستعملها بتمكن، ويتواصل مع عالمها الثقافي الخاص بتمكن، ومع العالم الثقافي الغربي المعاصر بصفة عامة، هي اللغة الفرنسية.

وبالنظر إلى القدرات الفكرية العالية، وإلى اللغة الأدبية الراقية، وإلى المنهجية العلمية الدقيقة، وإلى جدية الموضوعات المطروقة في بحوثه ومؤلفاته و أفكاره، فقد كان يفترض أن يحتل اليوم مالك بن نبي مكانة مرموقة في الساحة الثقافية الفرنكوفونية، كغيره من كبار الأدباء والمفكرين الفرنسيين وغيرهم من أبناء المستعمرات التي كانت تدور في الفلك الفرنسي (6).

 

ترجمات كتب مالك تحتاج كلها لغربلة و تنقيح ردا للاعتبار و انصافا للملكية الفكرية للرجل :

 

و بغض النظر عن الجدل الدائر اليوم حول ترجمات كتب مالك التي تحتاج الى مراجعات و تهذيب و أخرى مبتورة دون وجه حق ولا دليل، تحتاج كلها لغربلة و تنقيح ردا للاعتبار و انصافا للملكية الفكرية لتراث الرجل، ولهذا فإن هناك أسئلة كبيرة تطرح نفسها هنا بجدية، وتحتاج إلى بحث ودراسة وتفسير واعتبار، نرجئها مفصلة لمقال قادم بحول الله ، هذه الأسئلة التي تحاول هذه الدراسة طرحها والمساهمة في الإجابة عنها قدر الإمكان من منبعها الأصلي الأول باللغة الفرنسية، من خلال محاولة تتبع آثار فكر الرجل في الساحة الثقافية الفرنكوفونية في الجزائر والمغرب العربي خاصة، والساحة الثقافية الفرنكوفونية عامة.

وعليه، فإشكالية هذه الدراسة، هي مقاربة استقصائية لبعض محطات حياة ومسيرة الأستاذ مالك بن نبي باعتباره شخصية غير عادية في تاريخ الجزائر المعاصر بصفة خاصة وفي تاريخ الفكر العربي و الإسلامي بصفة عامة، وذلك لما تميزت به هذه الشخصية من تفرد في الرؤية و في الطرح لقضايا الأمة الإسلامية المعاصرة كما هو متداول!!

 

من الفوائد المرجوة لهذا البحث الطويل نوعا ما :

 

ومن الفوائد المرجوة لهذا البحث و بإلحاح إماطة اللثام، عن معلومات ببليوغرافية و بيوغرافية جديدة أو مطموسة أو غير معروفة عن حياة ومعاناة مالك بن نبي، الطفل والطالب والأستاذ وباحث نهضة فكرية. و سينبهر خاصة بتلك المعلومات القارئ باللغة العربية لوحدها و يكتشف أنه على جهل تام بها، كما أن البعض منها مذكور على ألسنة طلبته ، كما سنتطرق الى بعضهم لاحقا، أو مكتوب في بعض كتبه و في بعض المقالات الصحفية من غير ذكر المصادر، كمقاله عن المولد النبوي الشريف و أمور أخرى!!

وموضوع فصول هذا البحث، يحاول صاحبه في  محطات جس النبض عن طريق طلبة مالك ، حول أسرار و أخبار متداولة عن آثار وأفكار شاهد القرن (مالك بن نبي)، رحمه الله، انطلاقا من مساهماته في الساحة الثقافية الفرنكوفونية. إذ معلوم أنه من بداية كتاباته المبكرة أثناء الاستعمار الفرنسي لبلده الجزائر وفي مراحل تالية من عمره الى هجرته من بلد لآخر ثم استقراره في وطنه الجزائر بعد الاستقلال، إلى وفاته رحمه الله، ترك مالك خلفه في كل بلد مر به بصماته و أفكاره و كتاباته و طلبته !!

وكاتب هذه السطور بحكم ازدواجية لغته العربية والفرنسية، ووجوده في أوروبا ( سويسرا ) منذ فترة طويلة، واشتغاله في المجال الثقافي والإعلامي، واهتمامي بفكر مالك بن نبي رحمه الله منذ أزيد من ربع قرن، وحرصي على ربط أجيال المهاجرين بما هو جوهري ومفيد في فكره، أود أن استكشف هذا الموضوع لعله يلقي بعض الأضواء على هذا الجانب في حياته ومصير فكره وتراثه، وأثارها جميعا على المجتمع وما أفرزته من تفاعلات بعد رحيله لدار الخلود، رحمه الله، عبر السنين و الأجيال إلى يوم الناس هذا (7).

 

  من منجزات عبقرية مالك بن نبي، بعد الاستقلال خاصة :

 

 

من الأمور التي نتوقف عندها بحول الله، من منجزات عبقرية مالك بن نبي، بعد الاستقلال خاصة:

1- بداية فكرة حلقات مالك بن نبي، و من كان يحضرها مع شهادات، بعض طلبته الذين لازالوا أحياء يرزقون.

2- فكرة وتأسيس مسجد الطلبة، وثائق تنشر لأول  مرة، مع شهادات جديدة لبعضهم لازالوا أحياء يرزقون.

3- مجلة "ماذا أعرف عن الإسلام"، لسان حال مسجد الطلبة، وثائق مع شهادات، بعض أقلامها التي لازلت حية ترزق.

4- ملتقيات الفكر الإسلامي من سنة  1967 إلى سنة 1990  كحدث ثقافي متميز ، في العالم الاسلامي، الفكرة والمشروع، وثائق مع شهادات، بعض رواده لازالوا أحياء يرزقون.

5- قراءات مقتضبة في أهم ما نشر أو ترجم من كتب مالك قبل وفاته، ما لها و ما عليها، على لسان بعض طلبته و دارسيه.

6 - قراءات مقتضبة في أهم ما نشر و جمع من كتب مالك بعد وفاته، ما لها و ما عليها على لسان بعض طلبته و دارسيه.

7- سرد بقائمة ما كتب و نشر حديثا عن مالك من كتب و بحوث و دراسات بما تيسر من اللغات

 

فكرة مشروع حلقات مالك بن نبي وبعض ثمارها -

 

عن بداية فكرة حلقات مالك بن نبي، يقول رشيد بن عيسى: "إن العملية بدأت بين الناطقين باللغة الفرنسية... ولمدة عدة سنوات كان المستمعون إلينا ينتمون إلى هذه الفئة، وكنت أتحدث باللغة الفرنسية، عندما كنت أقوم بالوعظ، ولم يأت الناطقون باللغة العربية إلا بعد ذلك، ولمدة أربع أو خمس سنوات، كان معظم المؤمنون بقضيتنا من بين طلبة كلية العلوم؛ أي من الناطقين باللغة الفرنسية  (8).

كما يصف رشيد بن عيسى حلقات مالك بن نبي بأنه: "كان ابن نبي معلّمنا الكبير، وكان تكوينه فرنسيا، وكان قد أنشأ في منزله مركزا أطلق عليه: "مركز التوجيه الثقافي"، وكنا نعقد فيه جلسات أسميناها: "حلقات الدرس"، وكان مالك بن نبي يقول: "ينبغي أن نكتب على واجهه منزله؛

: "Nul n'entre ici s’il n’est ingénieur"

أي لا يدخلن علينا إلا مهندس، كنا لا نريد الاعتماد على الإيمان بدلا عن العمل، كنا نريد كما يقول إقبال: "ليس إعادة بناء الفكر الديني فحسب؛ بل الفكر الشامل للمسلم". كان بن نبي يكشف لنا عن كل هذه الأشياء، ولكن كل الذين كانوا يأتون عنده كانوا ناضجين، وعلى استعداد لتقبل ما يقوله لهم" (9)

كان مالك بن نبي يُــعْــنــَى بتدريب الطلبة وتمرينهم على التحليل العلمي والدراسة المنهجية للأفكار المعاصرة، ونقد مختلف التيارات التغريبية الزاحفة على المجتمع

وإذا رجعنا إلى صديق مالك بن نبي الحميم طول حياته، الدكتور عبد العزيز خالدي،  فإننا نجده يصفه باعتباره كاتبا منهجيا ويقول: "إنه لم يكن كاتبا محترفا أو عاملا مكبّا على أشياء جامدة من الورق والكلمات، كما هي عادة الكثير من الكتاب والمفكرين؛ بل كان رجل الفكرة التي تلد عملا، وتتحول بالجهد إلى نشاط حــيّ على مسرح الواقع الاجتماعي، لذلك حاول أن يوصل ويحوّل همّ وقلق النهضة الذي سكنه إلى الآخرين، ممن يتصدى لتكوينهم في حلقاته الأسبوعية، وفي محاضراته، ونشاطاته الفكرية، التي كان يقوم بها عبر جولاته في مختلف أرجاء الوطن؛ بل وفي العالم الإسلامي ككل (القاهرة، دمشق، الجزائر)" (10). وليس أصدق وصف لمنهج مالك بن نبي وأبلغ وأدق من هذا الوصف.

 

 : موقع المسألة الثقافية في فكر مالك بن نبي

 

تعد الثقافة أحد أهم القضايا التي شغلت المفكر مالك بن نبي منذ القدم، حتى أنه استطاع أن يبلور نظريته الخاصة فيها، والتي ذاع سيطها على نطاق واسع، فارتبط اسمه بها في العالم العربي، وقد اكتسبت هذه النظرية شهرة واسعة، وهذا ما جعلها مقصدا للكتاب والباحثين عندما تتمحور دراساتهم حول كل ما له علاقة بالثقافة، وقد كان مالك بن نبي يلفت الاهتمام والنظر لنظريته، كما كان يذكر بها في مناسبات عديدة ، مشيرا إلى ما توصل إليه من ارتباط وثيق بينها وبين الجانب النفسي والتربوي والاجتماعي، وهذا الذي يمكننا استنباطه من تلك الورقة البحثية القيمة النفيسة لأستاذنا الكبير الشيخ الدكتور الطيب برغوث، بعنوان : " موقع المسألة الثقافية من استراتيجية التجديد الحضاري عند ملك بن نبي"، ضمن سلسلة "لبنات في البناء الحضاري"، نشر دار الينابيع للنشر بالجزائر،  التي سلط فيها المفكر الطيب برغوث الضوء على تجليات هذه النظرية في عديد المجالات، و أذكر يوم طبعا سنة 1993 عام ، أخذت نسخة و أهديتها لأستاذنا الكبير سي عبد الوهاب حمودة، الأمين العام حينها لوزارة الشؤون الدينية، فأعجب أي اعجاب بالكتاب، وهو من أول طلبة مالك بن نبي، و حملني نصيحة للشيخ الطيب برغوث، شاكرا إياه على المجهود الجبار، لكن قال لي بالتعبير الدارج، مازحا:" أخبر سي الطيب مستقبلا، أن لا يطيل في عناوين كتبه، هذا العنوان طوله متر !! "  (11).

 

 :!!"عندما تغيب الفكرة يبزغ الصنم"

 

مثل ما اشتهر عنه أيضا وضوح الفكرة ، مثل شعاره "عندما تغيب الفكرة يبزغ الصنم"، وبالنسبة لمالك بن نبي هذه الحلقات هي دعوة بل صرخة ضد تنميط الأفكار و الاستعاضة، وهو شعار نضالي عظيم تبناه مالك بن نبي طيلة مسيرة عمره، بل جعله منهج حضاري جديد يحمل رسالة الفكر الحر و أمانة الكلمة الرسالية، وهو الأمر الذي يلاحظه كل دارس لفكره، كما علق بعضهم بقوله :

نعم " عندما تغيب الفكرة يبزغ الصنم" .. !!

عندما تغيب الفكرة الصافية النقية المتوضئة يبزغ عالم الأصنام و الأهواء

عندما تغيب الفكرة كعقيدة و منهج حياة يبزغ عالم الأنا و حب الذات

عندما تغيب الكلمة الصادقة  يبزغ صنم "التبربير" ( دعه ياكل دعه يعيش).

عندما تغيب الكلمة الشريفة النظيفة العفيفة اللطيفة، يبزغ صنم حب الدنيا، وندخل في حلبة صراع المصالح، اليوم غدر و خيانة و غدا ذل و ندامة !!

و لأهمية الإنسان الرسالي في بناء الحضارة يأتي الاهتمام ببناء الإنسان وهو بناء كالبناء الطبيعي، يستلزم عامل الزمن، وأسلوب التدرج، و عامل التوعية و التأصيل، وهو ما قام به مالك من بداية حلقاته في بيته، و لم يختر المساجد في أول مراحل ندوته، حفاظا على العمل مع نخبة المجتمع مرحليا في إطار ضيق.

بدل فتحها لعامة الناس و لكل من هب ودب، فالمجتمع بالصفات المعروفة لا يمكنه الشروع في التحضر إلا إذا أكتسب شروط موضوعية وأخرى ذاتية تمكنه من الإقلاع الحضاري الرسالي الواعد لفجر صادق منير، بكوكبة مكونة ومحصنة فكريا وعقائديا، ذلك ما نعرفه في مقال قادما، بعد فتح مسجد الطلبة في جامعة الجزائر المركزية، والله ولي التوفيق

.

... ( يتبع إن شاء الله )

الهوامش في الجزء الموالي 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 
 
 

شارك رأيك

التعليقات

لا تعليقات حتى الآن.

رأيك يهمنا. شارك أفكارك معنا.

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2024.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2024.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services