491
0
عبادات مفروضة أيام العشر من ذي الحجة غفل عنها الناس ... المقاصد الشرعيّة للعيدية بين العادة والعبادة !!
بقلم محمد مصطفى حابس : جنيف سويسرا
الأعياد صارت في العقود الاخيرة عند الكثير منا عادات بعيدة عن العبادات، لا تستشعر فيها القربى إلى الله عز وجل، ولا نعيش فيها معنى العبودية لله، لأن القلوب صارت غافلة عن الله وعن الاخرة ، (ذَٰلِكَۖ وَمَن یُعَظِّمۡ شَعَـٰۤىِٕرَ ٱللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقۡوَى ٱلۡقُلُوبِ﴾
مقاصد الاضحية ونوايا القربى والطاعات :
مقاصد الاضحية صارت شبه غائبة عن الناس، تجتمع عندهم كل النوايا إلا نية القربى، وتقديم الاضحية قرباناً لله، تحضر نية: إفراح العائلة، أكل اللحم أشكال و ألوان ، نشري الكبش لكي لا يقال لنا كيت وكيت!! نشتري الاضحية كبيرة و سمينة لكي نتباهى بها أمام الجيران !!
فإذا حضرت هذه النوايا، وإن حضرت معها نية احياء السنة، فهي نية مدخولة مغشوشة، لأن الله عز وجل أغنى الشركاء، عن أبي هريرة قال، قال رسول الله (ص) قالَ اللهُ تعالى: أنا أغْنى الشُّرَكاءِ عَنِ الشِّرْكِ، مَن عَمِلَ عَمَلًا أشْرَكَ فيه مَعِي غيرِي، تَرَكْتُهُ وشِرْكَهُ..).
تصحيح النية و ترسيح روابط الاخوة تجديد للعهد :
فلنصحح النية، ونحيي في قلوب الاهل والابناء أن هذه الاضحية هي ليست لنا، بل هي لله!! نقدمها قرباناً له، ولذا نختار أحسن شيء (حسب القدرة) لنقدمه لله، والله غني عنا، وإنما يطلبه هو صدق النية من المسلم (لَن یَنَالَ ٱللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاۤؤُهَا وَلَـٰكِن یَنَالُهُ ٱلتَّقۡوَىٰ مِنكُمۡۚ كَذَ ٰلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمۡ لِتُكَبِّرُوا۟ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَىٰكُمۡۗ وَبَشِّرِ ٱلۡمُحۡسِنِینَ ).
فلنغرس هذا في نفوس الناشئة حتى نجدد العهد، ونصحح النية، وتكون الأضحية نسكا من مناسك وشعائر الله،
رسول الله (ص) كان يفعل ذلك، يضحي بأحسن شيء عنده قربة لله، ثم بتصدق بمعظمه لأنه يريد القربى، وإن كانت نية الأكل جائزة ومشروعة ( كان يُضَحِّي بِكُبْشَيْنِ أقرنينِ أملحينِ، وكان يُسَمِّي ويُكَبِّرُ.).
لذا يُعتبرعيد الأضحى المبارك والعشر الاول من ذي الحجة من شعائر ديننا الحنيف الذي تحتفي به جميع البلدان الإسلامية لكونه سُنّة من سنَن المُصطفى (ص). وقد سُنّ عيد الأضحى في السنة الثانية للهجرة، وفق أقوال العلماء، ففي هذه المناسبة العظيمة يستحضر المسلمون قصة سيدنا إبراهيم و ابنه إسماعيل عليهما السلام، حيث رأى في المنام أنه يجب ذبحه و لكن الله فداه بذِبح عظيم !!.
و ذلك ما أشار إليه تعالى في كتابه “ فلما بلغ معه السعي قال يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى، قال يا أبت افعل ما تؤمر، ستجدني إن شاء الله من الصابرين، فلما أسلما وتلّه للجبين، وناديناه أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا، إنا كذلك نجزي المحسنين، إن هذا لهو البلاء المبين، وفديناه بذبح عظيم”. (سورة الصافات) الآيات 102-107.
ومن المقاصد الشرعية للعيد، ترسيخ روابط الأخوة بين الناس، والتذكير بفضل الله و نعمه على عباده، بالإضافة إلى تعظيم شعائر الله، و هو مناسبة للتسامح بين الناس و محو كل أشكال النزاعات والشحناء، وإدخال السرور والفرحة على الناس، والتوسعة على الأسرة، وتمتين روابط المحبة والرحمة والتعاون والتضامن بين أفراد المجتمع.
طقوساً تتحول إلى عادات بمرور الزمن :
تختلف مظاهر الاحتفال بعيد الأضحى المبارك والعشر الأول من ذي الحجة، في المنطقة العربية خصوصا و الاسلامية عموما، حيث يأخذ طابعا مختلفا حسب ثقافة وعادات كل بلد، إلا أن الفرحة التي تأتي بقدوم العيد والخير الذي يعم أيامه أمور لا تتغير باختلاف المكان و الزمان و الحال !!
نفس هذه المظاهر نعيشها و نلمسها في الغرب، حيث يمارس المهاجرون المسلمون في الغرب طقوساً مستوردة من دولهم الاصلية، تتحول إلى عادات بمرور الزمن، بغض النظر إن كانت تلك العادات أو الممارسات إيجابية أو سلبية، لكنها في كل الأحوال ارتبطت بمناسبة بعينها. وفي هذا الوقت من كل عام في العشر الاول من ذي الحجة، إذ تستعد الشعوب الإسلامية للاحتفال بعيد الأضحى، وتصاحب هذا الاحتفال بالعيد ممارسات وعادات تعتبر غريبة عن الدين نوعا ما، وتستمر حتى انتهاء أيام العيد وسط رفض وتأفف الكثيرين، لكنها ما زالت تفرض نفسها. وهنا نستعرض بعض الممارسات الغريبة أو المستغربة، التي تحدث في أيام عيد الأضحى المبارك::
ظاهرة الذبح العشوائي في الشوارع العامة المكتظة: :
في دولنا العربية، قبل حلول عيد الأضحى المبارك، يسعى الجزارون وتجار الماشية إلى إقامة أسواق لعرض وبيع الخراف والكباش والعجول. وعادة ما تقام تلك الأسواق في أغلب كبرى شوارعنا وميادين العامة، وبغض النظر عن المنظر غير الحضاري الناتج عن تلك الأسواق في أماكن غير مخصصة لإقامتها!!!!.
ومن العادات السيئة التي يمارسها المسلمون العرب، ذبح "الأضحية" في الشوارع كنوعٍ من الاحتفال والبهجة، وما ينتج عن ذلك في أيام العيد من ذبح عشوائي، وشوارع مليئة بالدم الذي يُترَك حتى يتخثر، و يتخطاه الناس و يلعب فيه الاطفال
وعادة ما يفعل الجزارون ذلك، فيقومون بذبح "الأضاحي" واحدة تلو الأخرى أمام بعضها، أو التلويح بالسكين أمامها قبل ذبحها دون رحمة، و هذا ما ينافي الشريعة الاسلامية تماما، لان من أداب التذكية اخفاء السكين واللين مع الحيوان.
التدرب في الذبح لأول مرة بما فيه من عيوب ومخاطر على الحيوان و المذكي : يصر بعض الرجال في الأسر على ذبح "الأضحية" بأنفسهم لأول مرة، خاصة لدى الرجال الشباب، دون اللجوء لشخص متخصص فقها وممارسة، وعادة تكون المرة الأولى له في الذبح، مما يؤدي إلى تعذيب "الأضحية" لعدم تمكنه منها ، هذا معروف ومتداول، حتى في دول الغرب !!
جمع جزء من دم الاضحية و تلطيخ جدران البيت به :
إحدى العادات السيئة، تلطيخ جدران البيوت والمباني بكفوف الدم بعد الذبح، ويقوم بذلك الكبار والصغار على حد سواء، فبعد ذبح "الأضحية" يلطخون كفوفهم في دمائها، ويطبعونها على الجدران المجاورة
عبادات مفروضة غفل عنها الناس في أيام ذي الحجة :
و تصحيحا لهذه المظاهرة التي في ظاهرها تدين وتقرب الى الله، و في حقيقتها طقوس و عادات ما أنزل الله بها من سلطان، يعجبني في هذا المقام ما زودني به أخي الفاضل، الأستاذ الدكتور، وليد شاويش عميد كلية الفقه المالكي، جامعة العلوم الإسلامية العالمية، عمان (الأردن)، من خلط بين العادات والعبادات، إذ كتب يقول، تحت عنوان : عبادات مفروضة غفل عنها الناس في أيام ذي الحجة، وهذا أهم ما جاء فيها ، مقدما إياها بالتوطئة التالية :
العبادة في العشر الاول من ذي الحجة للتاجر والمستهلك :
تلجيما لجشع التجار و أصحاب المهن والموالين وسلسلة المهنيين في هذه المناسبة الدينية وتفرعاتها، وجب توضيح التالي: " أنه يتبادر للناس أن معنى العبادة هو الصوم والصلاة وتلاوة القرآن، ولا شك أنها عبادات نوافل لها أجرها في هذه الأيام الفاضلة، ولكن هناك فروضا عينية وكفائية أحب أن أشير إليها"، وهي على النحو الآتي :
1- من كان تاجرا ففرضه العيني تعلم البيوع الصحيحة والفاسدة
2- يجب على كل تاجر تعلم زكاة عروض التجارة وديونها
3. يجب الحذر من الاستهلاك المفرط والمزيف الذي يؤدي إلى طلب زائد على السلع ويرفع سعرها مما يثقل كاهل الفقراء، وخصوصا فيما يتعلق بحوائج العيد.
4. الحذر من الكسب الحرام، ووجوب تعلم كيفية التخلص من المال الحرام.
5. تعلم فرض العين في زكاة أصحاب المصانع والمتاجر والحدادين ومحلات الألمنيوم وغيرهم من أصحاب المهن.
6. تعلم فرض العين على أصحاب المواشي والمزارع في بيع مواشيهم ومزارعهم وزكاتها.
7. ضرورة إحياء فروض الكفايات، مثل الاكتفاء الغذائي والصناعي والدوائي والبحثي، دعما لاستقلال الأمة وتحرير إرادتها.
8. فقه الطبيب: طهارة المريض وصلاته، وحقوقه الشرعية.
9. على الأطباء معرفة حكم الاتفاقات الاحتكارية لتسعير خدمة الطبابة، وأنها هذه الاتفاقات باطلة لأنها تستأثر بالربح خارج العرض والطلب والسعر العادل.
10. معرفة حكم الهدايا للأطباء من قبل شركات الأدوية ومدى تأثيرها عليهم في تحديد الوصفات الدوائية للمرضى، وكذلك كل مؤتمن على مصلحة من المصالح العامة أو الخاصة.
11. ما يجب تعمله على العمال مما يجوز لهم وما لا يجوز أثناء ساعات العمل، وخصوصا الموظف العام.
12. مراجعة التخصص الدقيق لكل ذي تخصص، ممن تولى الوظيفة العامة كالمدرسين في كافة التخصصات، والأطباء والمهندسين في تخصصاتهم الدقيقة.
13. تعلم حقوق الأسرة الشرعية، التي أدى الجهل بها إلى هدم الأسرة بحسب اضطرابات الفهم في الحقوق بين أم الزوج والزوجه، والابن وأبيه، والزوج وأهل زوجته، وحسم الخلاف في هذا المثلث المتفجر، الذي أدى إلى تشريد الأبناء.
14. تعلم فهم المرجعية السنية الفقهية، فيجب على المسلم أن يعين المفتي الذي يفتيه في أمر دينه، وكيف يحذر من الفتاوى الشاذة التي تهدم دينه في هذا الزمن أشد تقلبا من الطير في جو السماء.
15. تعلم هوية الأمة المتمثلة في أهل السنة والجماعة ومعالمهم الفاصلة بين الحق والباطل.
16. تعلم فريضة لزوم الجماعة، وأن الجماعة هي جماعة المسلمين، التي تتفوق على الحدود الوهمية والمصطنعة، وتعزيز الانتماء للأمة لمواجهة محاولات الغزو الخارجي لتفكيك الأمة وشرذمتها.
17. في حال أي خصومة بين فئتين من المسلمين الانحياز إلى الصلح، وليس إلى تغذية الخصومات، والحذر من فرض تناقضات المصالح الفردية على قطعي وحدة الأمة وجماعتها.
18. كيف يتم تلقي الخبر في فضاء التواصل الاجتماعي، ووقف الشائعات التي تنال من الأمة ودينها، وتهدد قطعي الاستقرار، وكيف يمكن أن نجمع بين قطعي الاستقرار وفرضي الإنكار وهو واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتحقيق العدالة الشرعية للجميع.
ملاحظة وتوضيح :
لم يقصد الدكتور وليد شاويش في هذه الدراسة الحصر ولكنه حرص على ضرب أمثلة من فرائض عينية وكفائية غائبة في جو من حالة النزعة الفردية في التدين، والعكوف على الذات بعيدا عن الأمة وهمومها، وبالتالي تشغلنا دنيانا عن ديننا بطقوس وعادات ما أنزل الله بها من سلطان، في هذه العشر الاول من ذي الحجة، التي حري بنا أن نكون فيها أكثر التزاما بالمعاملات قبل العادات، لان الدين المعاملة، كما هو شائع في العرف عندنا، والعرف ما تعارف عليه الناس و استحسنوه، كما يقال!!
الدين حسن المعاملة، الدين النصيحة :
وقد اشتهرت عبارة (الدين المعاملة) بين الناس حتى ظنّوا أنّها حديثاً، ولكنها ليست حديث، وقد صحّ أنّه لا أصل لها، ولكنها صحيحة من حيث المعنى، إلّا أنّه يجب التنبيه على أنّ الدين المعاملة اشتهرت قياساً على وزن قوله - عليه الصلاة والسلام -: (الدين النصيحة)، فليست المعاملة كالنصيحة في الدين، فالأفضل أن نقول: حسن المعاملة من الدين أو الدين حَسن المعاملة، وهذا واضح وجلي في ديننا، فقد حثّنا الله على التعامل بالحسنى مع الناس ومنها قول الله - تعالى-: (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا). وإنّ المعاملة الحسنة من المسلم لأخيه الإنسان – بصفة عامة - هي بلا شكّ من الدين، ولكنها ليست كل الدين كما هو واضح من العبارة، "كما أن المعاملة منها ما هو جائز في الإسلام، ومنها ما هو غير جائز فيه كالمعاملة الربوبية في البنوك، والعقود المحرمة !!..