1456
0
الجزائر تفتك رئاسة الائتلاف العالمي لنصرة القدس و فلسطين

بقلم الحاج بن معمر
في مدينة إسطنبول، حيث تلتقي حضارات الشرق والغرب وتتشابك خطوط التاريخ المعاصر بقضاياه المصيرية، اختتم مساء السابع والعشرين من أبريل 2025 مؤتمر الرواد الرابع عشر تحت شعار "الانتصار لغـزة مسؤولية الأمة"، الذي نظمه الائتلاف العالمي لنصرة القدس والأقصى، بحضور نخبة من القادة والمفكرين والناشطين من أكثر من خمسين دولة، في محاولة جادة لرسم خريطة طريق جديدة لمواجهة التحديات التي تواجه القضية الفلسطينية، لا سيما في قطاع غـزة الذي يعيش تحت وطأة حرب إبادة ممنهجة منذ ما يزيد على عام ونصف.
جاء المؤتمر كصرخة مدوية تذكِّر العالم بأن غـزة ليست مجرد نقطة على الخريطة، بل ضميرٌ حيٌ يُختبر أمام فظاعات القرن الحادي والعشرين، حيث حوَّل الاحتلال الأرضَ إلى ساحة لمأساة إنسانية تتفاقم يومًا بعد يوم، بينما تتراخى الآليات الدولية في إنصاف شعب يُحاصر بدم بارد.
شارك في المؤتمر قرابة 500 شخصية من النخب السياسية والدينية والأكاديمية والإعلامية، بالإضافة إلى ممثلي منظمات المجتمع المدني، في محفلٍ جمع بين خطابات حماسية ومداخلات تحليلية وورش عمل تخصصية، سعت جميعها إلى تفكيك المشهد المعقد للقضية الفلسطينية، وبلورة استراتيجيات عملية لتحويل التعاطف العالمي مع غـزة إلى فعلٍ ملموس.
ففي الوقت الذي تُحاصَر فيه الرواية الفلسطينية بتشويه إعلامي ممنهج، وتُخنق أصوات المدافعين عن حقوق الإنسان بذرائع سياسية، حاول المؤتمر إعادة تركيز الضوء على جوهر الصراع: حق شعب في الحياة والحرية فوق أرضه التاريخية.
ركَّزت جلسات المؤتمر على محاور عدة، بدءًا من تفعيل المقاطعة الاقتصادية للكيان المحتل كسلاحٍ شعبيٍّ فعّال، مرورًا بضرورة ملاحقة قادة الاحتلال قانونيًّا عبر المحافل الدولية لجرائم الحرب والإبادة الجماعية، ووصولًا إلى تعزيز دور الشباب والإعلام في كسر حاجز التضليل وإيصال الحقيقة إلى الرأي العام العالمي.
وشهدت الورش نقاشات مستفيضة حول سُبل دعم صمود أهالي غـزة عبر قنوات الإغاثة الطارئة، مع تأكيدٍ متكرر على أن المساعدات الإنسانية – رغم ضرورتها – ليست بديلًا عن المطالبة بوقف العدوان واستعادة الحقوق السياسية.
كما حذَّر المشاركون من مخاطر التطبيع المتسارع مع الكيان المحتل في بعض الدول العربية، معتبرين أن كل خطوة في هذا المسار تشكل طعنة جديدة لجسد الأمة وقضيتها المركزية.
في هذا السياق، برزت مشاركة جمعية البركة كقوة دافعة في المشهد، حيث لعب وفدها دورًا محوريًّا في صياغة التوصيات المتعلقة بآليات دعم غـزة على المستويين الشعبي والدولي، لا سيما في ورش العمل المخصصة لتنسيق الجهود الإنسانية
. ولم يكن انتخاب الشيخ أحمد إبراهيمي، رئيس الجمعية، رئيسًا جديدًا للائتلاف العالمي لنصرة القدس وفلسطين مفاجأةً في هذا المحفل، بل تتويجًا لمسارٍ حافلٍ بالعطاء في دعم المشاريع الإغاثية والتعليمية داخل الأراضي المحتلة، وتعزيز شبكات التضامن الدولي مع الفلسطينيين.
وفي كلمته بعد الانتخاب، شدد إبراهيمي على أن "الانتصار لغـزة يبدأ بإعادة تعريف النصر نفسه؛ فليس النصر مجرد توقف القصف، بل هو كسر شوكة الاحتلال بإرادة الشعوب، وفضح جرائمه أمام العالم، وتحويل قضية فلسطين من ملفٍ سياسيٍّ مُؤجّل إلى قضية ضمير عالمي".
لم يغفل المؤتمر عن الإشادة بصمود الفلسطينيين الذين يحولون تراب بلادهم إلى سرداب مقاومةٍ يومية ضد آلة الاحتلال، حيث خُتمت الفعاليات بتحية إجلالٍ للمقاومة الباسلة ولأسر الشهداء والأسرى، في رسالةٍ واضحة بأن دماء الضحايا لم تُسقطها ساحات المؤتمرات في خانة النسيان، بل أصبحت وقودًا لإشعال الحماسة في نفوس المدافعين عن العدالة. ومع انفضاض الجمع، تبقى التحديات قائمة: كيف تتحول التوصيات إلى خطط عمل؟ وكيف تُوحد الجهود المبعثرة تحت مظلة استراتيجية واحدة؟ أسئلةٌ يتركها المؤتمر كشعلة في أيدي الحاضرين، وفي ضمير كل من يعتبر أن غـزة ليست مجرد مكان، بل اختبارٌ لإنسانية العالم أجمع.