200

0

لعبة الأمم في قصر الأمم والكيل بمكيالين..  بين معاداة السامية و الإسلاموفوبيا ؟

بمناسبة "اليوم الدولي لمكافحة كراهية الإسلام"

محمد مصطفى حابس : جنيف / سويسرا

جل دول العالم الغربي تعتبر ، ما يسمى بــ "معاداة السامية" تهمة كبيرة شنيعة ويعاقب عليها بالسجن و الغرامة وأكثر، حيث تتخذ ظاهرة "معاداة السامية" أشكالا عديدة من دولة لأخرى كمعاداة ”السامية الاجتماعية”، و ”معاداة السامية الحديثة”، بما في ذلك خطاب الكراهية والهجمات العنيفة ونظريات المؤامرة لكن وفي الأساس فإن أشكال معاداة السامية لها نفس الدوافع، علما أن مصطلح "السامية" في حقيقة الأمر، لا يشمل اليهود لوحدهم !!

الشعوب السامية" ألوان وأشكال :

فالساميون ( من«سام») في الكتاب المقدس لدى النصارى واليهود، وهو مصطلح يصف أي مجموعة أثنية أو ثقافية أو عرقية تتحدث باللغات السامية. فلقَد اصطلح المؤرخون في العصور الحالية و الخالية أن يسموا الشعوب التي تتفاهم بالعربية والعبرانية والسريانية والحبشية والتي كانت تتفاهم بالفينيقية والآشورية والآرامية «شعوباً سامية»، نسبة إلى سام بن نوح عليه السلام، لأن هذه الأمم جاء في التوراة أنها من نسله - عليه السلام - وسموا لغتهم اللغات السامية.

وفي تاريخنا الاسلامي تعلمنا من القصص القرآني والنبوي،أنه لما نجى الله سبحانه تعالى، سيدنا نوحاً عليه السلام كان معه أبناؤه الثلاثة سام وحام و يافث، وقد تفرقوا بعد ذلك في الأرض، وكل ما هو موجود الآن من البشر هو من نسل هؤلاء الثلاثة. قال تعالى(وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ) [الصافات :77]، وسام هو أبو العرب والروم والفرس وهم الذين يقال لهم الساميون، واليهود من الروم. وقد استغل اليوم بعض اليهود-الصهاينة ما شرع من قوانين في الغرب ضد معادي السامية أسوأ استغلال فجعلوا كل من ليس موالياً لهم ولاء مطلقاً ومجارياً لهم في كل تصرفاتهم القذرة يعتبر معادياً للسامية، والحقيقة هي أن اليهود-الصهاينة هم أكبر أعداء السامية لأنهم يعادون العرب خصوصا عداءً سافرا والمسلمون عموما، ويحقدون على بقية السامين الآخرين ويكيدون لهم في الخفاء؛ بل ويكيدون لجميع البشرية، فهم إذن ألد أعداء السامية و أخطرهم، بل هم أعداء البشرية جمعاء!!.

الناس بنو آدم وآدم من تراب !!

ونشير هنا إلى أن الإسلام لا ينظر إلى الأنساب ولا يعلق عليها أحكام التفاضل بين الخلائق، فالناس بنو آدم وآدم من تراب، وأكرم الناس عند الله أتقاهم(يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) [الحجرات :13

 مع القضية الفلسطينية ومعاداة السامية، وهو الأمر الذي تستغله بعض الحكومات والجماعات اليمينية المتطرفة في الغرب من أجل تأجيج مفاهيم التطرف والكراهية بين جميع فئات المجتمع، أما كبرى الدول الغربية فهي ترى اليوم في معاداة السامية بمفهومها الضيق، أي ضد اليهود لا غير، وهو ما هو مدون حتى في قواميسهم و تجتره مؤسساتهم بغباء وجهل، بل وتمرر هذا التعريف القاصر للأجيال  لتقنعهم بالباطل !!  ..

" تدابير مكافحة كراهية الإسلام ":

وهذا الأسبوع بمناسبة اليوم الدولي لمكافحة كراهية الإسلام أو"الإسلاموفوبيا"، أستوقفني قرارات أممية غاية في الأهمية، منها اعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم الجمعة الماضي 15 مارس ، قرارا بعنوان "تدابير مكافحة كراهية الإسلام".. حيث يدعو القرار المصوت عليه، إلى تعيين مبعوث خاص للأمم المتحدة معني بمكافحة الإسلاموفوبيا. وقبل التصويت، استعرض الممثل الدائم لباكستان لدى الأمم المتحدة السفير منير أكرم، مشروع القرار الذي قال إنه يتبع القرار الأول الذي تم بموجبه تأسيس اليوم الدولي لمكافحة كراهية الإسلام، قبل عامين، أي 2022.

ويدين القرار أي دعوة إلى الكراهية الدينية والتحريض على التمييز أو العداوة أو العنف ضد المسلمين "كما يبدو من تزايد حوادث تدنيس الكتاب المقدس - القرآن - والهجمات التي تستهدف المساجد والمقابر والأضرحة .."

 بالدول الأعضاء، أن تتخذ التدابير اللازمة لمكافحة التعصب الديني والقوالب النمطية والسلبية والكراهية والتحريض على العنف وممارسته ضد المسلمين وأن تحظر بموجب القانون التحريض على العنف وممارسته على أساس الدين أو المعتقد.

تصويت بعض الأمم المتغطرسة يكشف مستور الكيل بمكيالين :

صوتت 115 دولة (جلها من العالم الثالث) لصالح مشروع القرار الذي قدمته باكستان نيابة عن منظمة التعاون الإسلامي، فيما امتنعت 44 دولة المتغطرسة عن التصويت، ولم تصوت أي دولة ضد القرار.

و جل هذه الدول الـ 44 الممتنعة، غربية تحاصر الإسلام و المسلمين و تزعم زورا وبهتانا، انها رائدة الحريات ومانحة الحقوق الإنسانية و المتشبعة بأعلى مبدئ الديمقراطية !!

وبعد أن أنهت الدول الأعضاء مداولاتها بشأن القرار، تحدث الأمين العام للأمم المتحدة، "أنطونيو غوتيريش" قائلا إن فعالية اليوم تسلط الضوء على الوباء الخبيث - وهو الإسلاموفوبيا- الذي يمثل إنكارا وتجاهلا كاملين للإسلام والمسلمين ومساهماتهم التي لا يمكن إنكارها ألا من جاحد!!

وأضاف: "في جميع أنحاء العالم، نرى موجة متصاعدة من الكراهية والتعصب ضد المسلمين. يمكن أن يأتي ذلك بأشكال عديدة منها، التمييز الهيكلي والنظامي، الاستبعاد الاجتماعي والاقتصادي، سياسات الهجرة غير المتكافئة، المراقبة والتنميط غير المبرر، القيود المفروضة على الحصول على المواطنة والتعليم والتوظيف والعدالة."

ونبه الأمين العام إلى أن هذه العوائق المؤسسية وغيرها تنتهك التزامنا المشترك بحقوق الإنسان والكرامة. كما أنها "تديم حلقة مفرغة من الاستبعاد والفقر والحرمان يتردد صداها عبر الأجيال. وفي الوقت نفسه، ينشر الخطاب المثير للانقسام والتضليل الصور النمطية، ووصم المجتمعات المحلية، وخلق بيئة من سوء الفهم والشك."

القدير بين الناس جميعا في الكرامة الإنسانية، أي جميع البشر رجالا ونساء، مسلمين وغير مسلمين، «بيض أو سود – حمر أو صفر»، كلهم سواء في الكرامة الإنسانية ومعيار التفاضل بينهم هو التقوى كما علمنا الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: « كلكم لآدم وآدم من تراب، لا فضل لعربي على أعجمي ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى إن أكرمكم عند الله أتقاكم»، وأن جميع الرسالات السماوية تدعو إلى الإسلام والتسليم لله سبحانه وتعالى ولإرادته، فالإسلام دين الفطرة والخير وكرامة الانسان، منذ بداية التوحيد بالله وهو الدين الذي جاء به إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب وموسى وعيسى والأسباط وجميع الأنبياء والرسل أجمعين، وهو دين التوحيد والإيمان بالله الواحد الأحد، والخضوع له والإيمان بالقدر وبالملائكة والكتب السماوية كلها والزبر والبعث. وكل هؤلاء الأنبياء جاءوا ليبشرون بدين التوحيد وينشرونه، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم، جاء ليكمل رسالاتهم جميعا ويختمها ويبلغ الإنسانية جمعاء ما جاء في هذه الآية الكريمة:( قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَالنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ - آل عمران(84)).

وأن أول القيم الإنسانية التي ينفرد بها الإنسان وتميزه عن باقي المخلوقات، هي الكرامة الإنسانية، (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِىٓ ءَادَمَ وَحَمَلْنَٰهُمْ فِى ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ وَرَزَقْنَٰهُم مِّنَ ٱلطَّيِّبَٰتِ وَفَضَّلْنَٰهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍۢ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا)- (الإسراء، الآية 70) . لأن كرامة الإنسان مرتبطة ارتباطا وثيقا بحريته فلا كرامة لإنسان بدون حرية، لأن منع الحرية عن الإنسان هو إهدار لكرامته فالحبس والسجن والاعتقال وتقييد حرية الكلمة والرأي والعقيدة والعبادة كل ذلك يحد من كرامة الإنسان ويحط من شأنه. والحرية من أهم القيم الإنسانية وخاصة حرية العقيدة والعبادة وممارسة شعائر الدين بحرية، ولقد كفل الإسلام للإنسان حرية العقيدة والإيمان (لا إكراه في الدين) وترك الله للإنسان حرية الإيمان أو الكفر.. قال تعالى (وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ .. ) الكهف: الآية 29 غير أن للحرية في المنظور الإسلامي ضوابط بحيث لا تمس المقدسات، أما في الدول الغربية فيقدسون الحرية، وخاصة حرية الرأي وحرية التعبير ويضعونها فوق كل القيم وحتى فوق المقدسات، ولعل أزمة الرسوم الدانماركية المسيئة للرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم-، خير دليل على ذلك و إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إنما هي دعوة لكل المؤمنين والمؤمنات مثلما جاء في الآية الكريمة ﴿ وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ

..﴾ [ التوبة: 

 المؤمنين والمؤمنات عليهم واجب نحو الآخرين في المجتمع الذي يعيشون فيه، وأن هذه القيم التي يحث عليها الإسلام ويأمر بها من شأنها أن تحدد ملامح كرامة الإنسان وشخصية المسلم في ظل الإسلام. ﴿ وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ ۖ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ.﴾

الكهف: 29]

 

شارك رأيك

التعليقات

لا تعليقات حتى الآن.

رأيك يهمنا. شارك أفكارك معنا.

barakanews

اقرأ المقالات البارزة من بريدك الإلكتروني مباشرةً


للتواصل معنا:


حقوق النشر 2024.جميع الحقوق محفوظة لصحيفة بركة نيوز.

تصميم وتطويرForTera Services