الجمهورية الصحرواية والحقيقة الغائبة

 

 

 

بقلم كمال برحايل

تابعت الجلسة العلنية لمجلس الأمن للتصويت على مشروع القرار الامريكي ، بشأن الحكم الذاتي في الصحراء الغربية في إطار السيادة المغربية ، ويعتبر القرار بالسابقة وسينجم عن هذا المسعى إلغاء ، الحقيقة الأخلاقية السياسية والقانونية للشعب الصحراوي ، بفرض واقع جديد في المنطقة دون أية استشارة مسبقة للشعب صاحب الأرض .
وأعتقد جازماً ان السلوك السياسي الجزائر ، في الامتناع عن التصويت هو البديل الإيجابي بمعنى عدم المشاركة وتزكية بناء الباطل ، بتجاهل الحقائق البديهية لمصير الشعوب ، وهذا قمة التميز المألوف في الموقف الجزائري ، على الساحة الدولية وينم في الغالب بالرفض ، التاريخي لإدماج الصحراء الغربية في خريطة المملكة المغربية ، وهذا ما تقوم عليه مبادئ السياسة الخارجية الجزائرية.
 ولقد دأبت الجزائر على دعم حركات التحرر الأفريقية ، وهذا المبدأ مستوحى من ميثاق الأمم المتحدة ، حين خطب الرئيس الراحل هواري بومدين في 29 ماي 1975 بقوله " نعم ان تلك القضية تهم بلادنا لأنها موجودة على حدود بلادنا،  وتمثل خطر على أمن دولتنا وهي تاكيد ، لسياستنا لأننا ضد الوجود الاستعماري أينما وجد " ، وفي نفس السياق يقول الزعيم الغيني اميلكار كابرال " الجزائر مكة الثوار وقبلة الأحرار " ، وهذا ليس تعبير جزائري إنما قول ثائر إفريقي ولعل النهج التحرري والإرث التاريخي ، الذي التزمت به الجزائر ليس وليد الظروف الطارئة،  إنما ينبع من قناعة التجربة الثورية لبناء النموذج الوطني للدولة المستقلة.
ويقول المؤرخ الفرنسي إيف لاكوست في كتاب جيوبوليتيك البحر المتوسط في الصفحة 228 ، " خلال مؤتمر برلين حول قارة أفريقيا ، تم الاعتراف بالحقوق الإسبانية على سواحل الصحراء الغربية ، المقابلة للجزر الإسبانية "، لكن مع تزايد التنافس بين الدول الأوربية ، وبحجة التوسع اقدمت إسبانيا على ضم ، الأراضي المقابلة للجزر وسميت بموجب مرسم ملكي صدر سنة 1887 الصحراء الإسبانية،  واستمرت السيادة الإسبانية على الإقليم حتى إستقلال المغرب.
وكانت المفاجأة الطارئة المغيرة للموقف الإسباني تزامنت مع وفاة الجنرال فرانكو ، الذي أوصى بالإبقاء على السيادة الإسبانية ، وللتخلص من ارثه المثقل في سنة 1975، وقع  الاتفاق الثلاثثي بمدريد،  بين إسبانيا المملكة المغربية وموريتانيا و، تم إنهاء الوجود الإسباني في الصحراء الغربية، ووضع الإقليم تحت الإدارة الثلاثية بهدف استغلال الفوسفات .
ونجم عن اثر هذا التقسيم استيلاء المغرب على الساقية الحمراء ، وموريتانيا استحوذت على وادي الذهب ، لكن اعقبه اشتداد التنافس ، حول ملكية الإقليم بين المغرب و موريتانيا، وأحيلت القضية على محكمة العدل الدولية بلاهاي ، وقدمت الرأي الاستشاري الذي نفى في حيثياته وجود اية روابط سيادية وقانونية ، بين الصحراء الغربية والمملكة المغربية وموريتانيا مع التوصية ، بحق تقرير المصير  للشعب الصحراوي .
وتمخض عن موجة التحرر في أفريقيا تبني منظمة الوحدة الأفريقية ، مبدأ احترام الحدود المتوارثة عن الاستعمار كقاعدة عرفية ، لتفادي إراقة الدماء بين الأشقاء نتيجة التقسيم الأجنبي .
وبغية إدراك الأبعاد الحقيقية للقضية الصحراوية فقد سجلت ،بداية كقضية تصفية الاستعمار ثم انتقلت الى  مداولات الجمعية العامة للأمم المتحدة، مؤخراً عرضت على تصويت مجلس الأمن الدولي .
ونستجلي من القرارات الصادرة بشأن القضية الصحراوي مدى الاستعصاء الذي يشوب مسار التسوية في الصحراء الغربية ، وتكشف عن التعقيد بين اصحاب الأرض الشعب الصحراوي الممثل بالجناح السياسي في الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب ، وهي اختصار باللغة الإسبانية " والبوليساريو " والجناح العسكري هو جيش التحرير الشعبي الصحراوي ، الذي اعلن الكفاح المسلح ضد الاستعمار الإسباني ويطمح إلى تأسيس الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية ، والطرف المغربي المحتل الذي يريد الاستيلاء على الجمهورية الصحراوية بالمسيرة الخضراء ، وتكريس حقائق جديدة بهدف إعطاء هوية مغربية مصطنعة  على الأقاليم الجنوبية،  المسماة حسب حقائق التاريخ والجغرافيا بالصحراء الإسبانية .
وكانت المنطقة مسرح لنزاع مسلح بين قوات البوليساريو والقوات المغربية ، وبسبب هذه الهجمات لجأ المغرب لإقامة الجدار الدفاعي الرملي  بمساعد إسرائيل ، في الأراضي الصحراوية لمنع المقاتلين الصحراويين من العبور آلى الأراضي المحتلة ، وإستمرت الجهود الدولية بقيادة الأمم المتحدة بما يتطابق مع الطرح الجزائري ، والمطالب المشروعة لللشعب الصحراوي لغاية موافقة الأطراف المتحاربة،  على وقف إطلاق النار ومبدأ حق تقرير المصير في الصحراء الغربية، لغاية 27 سبتمبر 1983 ، الذي يعد بمثابة ابرز محطة في النزاع المغربي -الصحراوي بقبول الملك الحسن الثاني ، حق تقرير المصير في الصحراء الغربية والنتائج المترتبة عليه ، وسيقام بداية سنة 1992 بإشراف بعثة المينورسو لكنه اصطدم بالتعداد السكاني ، وأضحى العائق في إعداد القوائم الانتخابية ، وأصرار المغرب على اضافة أسماء المعمرين الذين استوطنوا عقب المسيرة الخضراء ، تحسبا لإدماج الصحراء الغربية في اقليم المملكة المغربية وتأجل الاستفتاء إلى أجل غير مسمى .
وترتب في اثره طرح العديد من مخططات التسوية ، وتلاقي الرفض من احد أطراف المباشرة في النزاع ، أهمها خطة طريق الحل الثالث لوزير الخارجية الأمريكي السابق جيمس بيكر ويتراوح بين الاندماج أو الانفصال، وصرح عند تقديم استقالته " إنني لا أظن ان هناك حلا لهذه الأزمة " .
وجليا يتبين من عدم إصرار الدول الكبرى على اجراء الاستفتاء ، هو الحفاظ على الوضع المستقر وتفادي بؤرة توتر جديدة في المنطقة،  لغاية تداعيات احداث الكركرات وتهديد   الجبهة بالعودة مجددا، إلى الكفاح المسلح كخيار شرعي .
ولكن التغير في الموقف الدولي حدث خلال العهدة الأولى للرئيس الأمريكي دونالد ترامب ، حينما بادر بإطلاق مشروع اتفاق أبراهام وقدم كبديل جديد للمنطقة العربية وعلى اساسه ، تم الربط العضوي بين تطبيع العلاقات بين المملكة المغربية وإسرائيل مقابل بسط السيادة على الصحراء الغربية .
لقد جاء القرار المخيب للأمل لبناء الدولة الصحراوية المستقلة ، بعد كفاح استمرّ خمسين سنة،. وكان يتوق فيه الشعب الصحراوي لممارسة حق تقرير  المصير.

 كيف سيكون رد فعل الشعب الصحراوي على قرار الحكم الذاتي وبهذا تغيب الحقيقة التاريخية في مغرب الشعوب ، الذي تطلعت اليه النخب السياسية المغاربية متخذة من الوحدة والتضامن ، اللبنة الأولى اثناء مؤتمر طنجة على ان يستكمل بإعلان تاسيس الاتحاد المغاربي في قمة زرالدة .

اخر الكلام :  من أقوال  كاتب إعلان الاستقلال الأمريكي توماس جيفرسون 

" سر مع التيار في يخص المظاهر ، و في ما يخص المبادئ  فلتقف مكانك مثل الصخرة "