الأخصائية النفسية سميرة فكراش تقدم نصائح وتوجيهات : كيف تتعاملين مع طفلك الذي يدخل المدرسة أول مرة

 

عشية الدخول المدرسي، يعيش الوالدان تجربة مفعمة بالمشاعر، تختلط فيها الحماسة بالقلق، خاصة عندما يتعلق الأمر بذهاب الطفل إلى المدرسة لأول مرة، فهذه المرحلة لا تخص الطفل وحده، بل تمتد لتشمل الأسرة بأكملها، فتقلب نظامها اليومي وتشحن أجواءها العاطفية.

نسرين بوزيان 

غالبا ما يرفض الطفل فكرة الانفصال عن والديه، ويعبّر عن ذلك بالبكاء أو الصراخ، أو حتى برفض ارتداء الزي المدرسي، مما يربك الأهل، خصوصا الأم، التي قد تجد نفسها عاجزة أمام هذا الموقف، فتؤجل إرسال الطفل لبضعة أيام، على أمل أن يتحسن الوضع تلقائيا.

 

 

 

 

 

في هذا السياق، تحدثت الأخصائية النفسية سميرة فكراش لـ "بركة نيوز" عن كيفية التعامل مع هذه المرحلة، وقدّمت مجموعة من الإرشادات النفسية والعملية التي تساعد الوالدين على تجاوزها بسلاسة. 
وأوضحت أن التحضير للدخول المدرسي لا ينبغي أن يُترك للحظات الأخيرة، بل يستحسن أن يكون عملية مستمرة تمتد لأشهر قبل بداية الموسم الدراسي.
هذا التحضير، كما تقول المتحدثة، يبدأ بإدخال فكرة المدرسة تدريجيا إلى ذهن الطفل، وتقديمها له على أنها تجربة جميلة ومفيدة، ويمكن تحقيق ذلك من خلال تكرار الحديث عنها، ومشاركته بعض الذكريات الدراسية الخاصة بالوالدين، بطريقة مبسطة تزرع في نفسه صورة إيجابية عنها.

   

 


وأضافت أن دور الوالدين لا يقتصر على الجانب النظري، بل يجب أن يكونا حاضرين نفسيا وماديا لمرافقة الطفل، خاصة في الأيام القليلة التي تسبق العودة المدرسية. 
ومن المهم إشراك الطفل في شراء مستلزماته الدراسية من حقيبة ولباس وأدوات، حتى يشعر بأنه جزء من هذه المرحلة، فيبني معها علاقة إيجابية منذ البداية. 
كما يفضل اصطحابه إلى المدرسة قبل يوم الدخول الرسمي، للقيام بجولة داخل المؤسسة، والتعرف على أقسامها وساحاتها وحتى طاقمها، إن أمكن، وذلك لتخفيف رهبة المكان وتعزيز شعوره بالانتماء.

الأنشطة التربوية بديل ضروري 

   

 

من الجوانب التي شددت عليها الأخصائية أيضًا، أهمية تنظيم نوم الطفل قبل العودة إلى المدرسة، خصوصا أن العطلة الصيفية تغير نمط الحياة داخل أغلب الأسر، فتتأخر أوقات النوم والاستيقاظ، وهنا ينبغي البدء في إعادة تنظيم النوم تدريجيا، حتى يتمكن الطفل من الاستيقاظ باكرا دون توتر أو مقاومة. 
كما نبهت فكراش إلى ضرورة تقليل مدة تعرض الطفل للشاشات الإلكترونية مثل الهواتف والأجهزة اللوحية، واستبدالها بأنشطة تربوية مفيدة كالمطالعة أو الحوار العائلي، بهدف تنمية رصيده اللغوي وتعزيز قدراته التعبيرية.

الأخطاء الشائعة التي يقع فيها الأولياء

   

 

 

وفي معرض حديثها، أشارت الأخصائية إلى بعض الأخطاء الشائعة التي يرتكبها الأولياء دون وعي، والتي قد تعقد الوضع عوض أن تيسره، من ذلك أن بعض الأمهات لا يخفين دموعهن أمام أطفالهن في أول يوم مدرسي، ويستخدمن عبارات مثل "راح نتوحشك" أو "تعودت عليك في الدار"، ما يجعل الطفل يستشعر الحزن في موقف من المفترض أن يكون مشجعا ومفرحا. هناك عادة عند الجزائريين، حيث يتصل الأقارب والعيال للتهنئة، لكن بعضهم يخوف الأولياء بشأن تأقلم الطفل، وهذا الكلام يقال أحيانا بجانب الطفل، فيشعر بالخوف والقلق، ونصيحتي للوالدين الذين يتلقون مكالمات من العائلة والأقارب، يجب الابتعاد عن استخدام مكبر الصوت حتى لا يسمع الطفل كلمات تحبطه أو تثير قلقه.
لذلك تؤكد الأخصائية على أهمية الحفاظ على جو إيجابي داخل البيت، واستخدام كلمات تشجيعية تحفز الطفل على دخول المدرسة بثقة، فبدلا من تصوير المدرسة كمكان للفصل والانفصال، ينبغي تقديمها كامتداد طبيعي لحياة الطفل، وحق أساسي له، وفرصة حقيقية لبناء مستقبله.

بكاء الطفل رد فعل طبيعي

 

وفي سياق متصل، أوضحت المختصة أن بكاء الطفل في الأيام الأولى من الدخول المدرسي سلوك طبيعي لا ينبغي أن يُقابل بالقلق المفرط، فهذا البكاء هو ببساطة رد فعل فطري على الانفصال المفاجئ عن البيئة الأسرية، خاصة إذا لم يسبق للطفل أن التحق بالحضانة أو لم تكن لديه تجارب سابقة خارج البيت. 

كما أشارت فكراش إلى  خطورة بعض التصرفات غير المقصودة في ربط المدرسة بالعقاب، كأن يقول الأهل للطفل:" إذا لم تكن مهذبا سندخلك المدرسة"، مما يجعل الطفل يتصور المدرسة كمكان غير مرغوب فيه ، كما قد يلاحظ بعض الأولياء أن طفلهم كان طبيعيا في الأيام الأولى، ثم بدأ لاحقا في البكاء، ويرجع ذلك أحيانا إلى تقليد أطفال آخرين.
مع ذلك - حسب المتحدثة- فإن هذا السلوك يعتبر طبيعيا خلال الأسابيع الأولى، حيث تشير الدراسات النفسية إلى أن فترة التأقلم قد تمتد بين ثلاثة إلى ستة أسابيع، غير أن استمرار البكاء والرفض بعد مرور شهر، وظهور سلوكيات أخرى مثل اضطرابات النوم أو التبول الليلي أو فقدان الشهية، أو تظاهر الطفل بآلام جسدية كألم في البطن أو الرأس دون أسباب طبية واضحة، كلها مؤشرات على أن الطفل يواجه صعوبة في التأقلم.
وفي حالات أخرى، قد يخفي فقدان الطفل لمستلزماته المدرسية أو نسيانها بشكل متكرر وراءه مواقف مزعجة داخل المدرسة، مثل التنمر أو الخوف من أحد الزملاء. وهنا لا بد من التوقف عن التوبيخ أو الاتهام، والعمل على مرافقة الطفل نفسيا لمعرفة الأسباب الحقيقية لما يعيشه.


تقديم صورة إيجابية عن المدرسة

       

 

 

من جهة أخرى، شددت الأخصائية على ضرورة تقديم صورة مشرقة وإيجابية عن المدرسة، باعتبارها فضاء للتعلم واكتساب المهارات وتكوين الصداقات، لا مكانًا للعقاب أو الانضباط الصارم، فالطفل يحتاج إلى أن يشعر بأن المدرسة جزء من حياته اليومية، لا قطيعة عنها، وعندما ينسى واجبا مدرسيا أو يرتكب خطأ، يجب أن يفهم أن التعلم عملية مستمرة، وكل تقصير يمكن تداركه بالمثابرة والتجربة.

تجربة ملهمة لا تنسى

وفي ختام حديثها، وجهت سميرة فكراش رسالة إلى الأولياء، دعتهم فيها إلى أن يجعلوا من تجربة الدخول المدرسي الأولى لأبنائهم تجربة جميلة وملهمة، تزرع في الذاكرة كبداية مشجعة، لا كمصدر للرهبة والقلق، فاليوم الأول من المدرسة ينبغي أن يكون انطلاقة لخطة حياتية طويلة الأمد، يكتشف فيها الطفل ذاته، ويحدد من خلالها أهدافه وطموحاته، ليبدأ رحلة التعلم بثقة واستقرار نفسي، ويتجه بخطى ثابتة نحو بناء مستقبله.