التنمر…ورم ينتشر في المدارس وخبراء يدقون ناقوس الخطر

- التنمر ظاهرة جديدة انتشرت في المجتمع الجزائري نتيجة الانفتاح التكنولوجي و العولمة التي باتت تهدد قيم المجتمع، فأصبح جيل اليوم يعيش الظاهرة خاصة في المدارس،مما جعل الكثير من الخبراء والمختصين يدقون ناقوس الخطر لما لهذه الآفة من انعكسات سلبية ونتائج وخيمة على شخصية أطفال اليوم باعتبارهم شباب الغد.
شيماء منصور بوناب
التنمر ظاهرة جديدة انتشرت في المجتمع الجزائري نتيجة الانفتاح التكنولوجي و العولمة ، فأصبح جيل اليوم يعيش تهديد و مضايقة في حلقة مفرغة لا تعرف الضحية أو الجاني . فما ساعدها كظاهرة متنامية انما هو الانحلال الأخلاقي الذي بات شريك حتمي للتنمر يتفاقم بتفاقمه خاصة في المدارس التي تشهد هجوم حاد من المتنمرين الذين يتكاثرون و يتزايدون بشكل يومي.
غياب الضبط السلوكي زاد من انتشار التنمر
عرفت الأخصائية التربوية الكوتش “نايت مسعود فاطمة” التنمر على أنه نمط سلوكي متكرر غير منفرد يظهر على شكل استقواء تمارسه فئة قوية جسديا و نفسيا على شخص حساس يختار بصفة قصدية غير اعتباطية. فيكرر الفعل على ذات الفرد مع ضبط الشدة و الغاية التي تستهدف غالبا تلميذا نقل جديدا للمدرسة لتبدأ مسيرة التنمر عليه أو شخص ضعيف البنية لا يملك القدرة على الرد بسبب حالته الجسدية التي تؤثر بشكل مباشر على نفسيته فيصبح سريع البكاء و التأثر بأبسط كلمة و دائم التخوف من التواصل مع الغير خاصة في ضل ضعف المهرات الاتصالية و الاجتماعية لديه.
وعليه فتناقل ثقافة التنمر من مدرسة إلى أخرى أصبح واقع أليم معاش نتيجة غياب الضبط السلوكي و القوانين المدرسية التي حطت من قيمة التربية على حساب التعليم . فنجد التلميذ المنضبط و سليم التنشئة و التربية هو مقصد و فريسة المتنمر كونه خالف بمعتقداته التربوية ما هو شائع و معروف عند جيل اليوم الضائع سواء في اللبس أو طريقة الكلام … ومن بين الحالات التي تعيش هذا النوع من التنمر تسرد لنا أم عبد الله واقع ابنها مع هذه الظاهرة قائلة:” ربيت إبني على تنشئة صحيحة أساسها الصلاة و القرآن بعيد كل البعد عن ما هو متداول من صفات عند أقرانه من الأطفال، لكن مؤخرا و في بداية السنة التعليمية لاحظت أن تصرفاته بدأت تتغير من شخص متزن إلى شخص يخوض الشجارات و هو ما لم أقبله فحاولت رفقة والده تهدئةالوضع بذم سلوكه و تخفيف حدة غضبه بالنصح و الوعظ، لكن لم أكن أعلم أن ردة فعلي أزمت الوضع …؟”
و تابعت:”بما أن ابني لا يشبه زملائه في القسم من حيث اللباس و تسريحة الشعر أصبح يعاني من مضايقات من زملائه التي آلت به للشجار أحيانا، و ذلك زاد تسلط الأطفال عليه بكلمات جارحة من سب وشتم بكلمات بذيئة لا يعرف معناها في الأصل خاصة وانه قد تنازل عن حقه في الرد بعنف .”
وفي هذا الصدد ترد الكوتش “نايت مسعود ” قائلة : ” لتفادي التنمر يضطر بعض الاطفال بطريقة ذكية منهم الى التمثيل بأنهم ينتمون إلى نفس الجماعة المتنمرة في أسلوب معاملتهم أو ملابسهم حتى قصة الشعر لتضليل الغير و لكي لا يتعرضوا للإقصاء من الجماعة.”
أمافي حالة الطفل عبد الله فلم يتقبل التمثيل بما أنه ذو تنشئة دينية رفض الخضوع للمتسلطين عليه و ذلك بشهادة أساتذته الذين أيقنوا على أنه طفل مجتهد يحب دراسته، لكن بالرغم من ذلك فإنه قوبل بالتهديد من زملائه و مراقبة مدرسته التي هي الأخرى لم تبخل في معاملاتها السلبية تجاهه، فتروي لنا أم عبد الله مرة ثانية :”تجربة ابني مع التنمر بدأت فور رفض ابني شراء هدية لمراقبة المدرسة المعروفة بحدة طبعها على التلاميذ الذين قرروا ضمها لصفهم بشراء هدية لها، الأمر الذي رفضه ابني بكلمة منه”لعن الله الراشي و المرتشي”، لكن فور علم المراقبة بذلك بدأت في الضغط عليه و مراقبته بشكل صارم كونه رفض المشاركة في اقتناء هدية لها.”
بعض الممارسات تبقى كبصمة سوداء لا تمحى من ذاكرة الطفل و كيانه، ما يجعله في فوهة البركان يقابل ما يمارس عليه من تجبر و اسقواء بطريقة منافية لسلوكاته المعتادة فيتحول لشخص غير متزن كثير الأخطاء و حاد الطباع، و ما يعقد الوضع أكثر هو عدم اكثراث من حوله لما يحدث له،مثلما حدث للطفل عبد الله الذي رغم شكاوي أمه لمدير المدرسة و المراقبين لم تجد الحل المطلوب أو الانصات المفروض لأن التنمر بحد ذاته مصطلح مرفوض في قاموس التعليم و غير معترف به كسلوك مؤذي نفسيا.
المشاحنات المتكررة … تنمر و ليس عنف
يخفى على الأمهات مفهوم التنمر كظاهرة و نمط سلوكي يمارس على أطفالهم في المدرسة و خارجها ، نظرا لما تأوله الامهات من اسباب لهذه المشاحنات التي تعتبرها عادية في سن المراهقة والطفولة ،بالرغم من شكوى الاطفال و الحاحهم على رفضهم لهذا السلوك الذي تعتبره الأسرة حالة ضعف و انهزام . غير أن هذه اللامبالاة بحد ذاتها قاتل صامت يتفاقم بتفاقم العقد الداخلية التي تولد الاكتئاب و كره الذات .
فنتيجة لقلة الوعي بالسلوكيات الدخيلة على المجتمع من تنمر و اساءة نفسية جعل الاولياء مركزين صوب اهتمامهم على التعليم دون مراقبة ذاتية لما يضر اولادهم من ممارسات جانبية تمس كرامتهم من جهة و تأثر في قناعة نفسهم من جهة أخرى ، خاصة بعد تفشي الاساءة الجنسية من ملامسات و كلمات بذيئة لا تمد بصلة بالشريعة الاسلامية ولا معتقدات المجتمع الجزائري. في حين أننا نجد تلاميذ اليوم و المراهقين يتلفظون بها بين الفينة و الاخرى و سط سخرياتهم و تهكمهم دون دراية منهم بمعنى الكلمة أو مفهومها كلفظ.
العجز عن الاستيعاب اللفظي لهذه الكلمات الجنسية جعل انتشارها وسط المتنمرين أمر مفروغ منه لتطبيقها على الغير كأسلوب استقواء و خشونة في التصرف ترفع من شأنهم كعصابة تطبق سياسة الظلم المقصود و التحكم و السيطرة على الغير بممارسات تهكمية.
في هذا الجانب شددت الأخصائية “نايت مسعود فاطمة” على الاسباب التي جعلت التنمر كنمط سلوكي سلبي ينتشر بشكل رهيب في المجتمع الجزائري من خلال التطرق اليه من جانبين أولهما يخص علامات التنمر على الضحية فحددت:” غياب الانصات عامل بالغ الاهمية يأثر على الطفل و قراراته التي تزيد من حدة عصبتيه تجاه الأمور خاصة في الجهة العاطفية المرتخية التي تأثر سلبا على مستواه الدراسي و الاجتماعي كونه دائم العزلة و لا يشارك في النشاطات الجماعية “.
أما من الجانب الثاني فركزت المختصة على أسباب توجه الطفل الى التنمر، وذلك بالرجوع إلى خلفية التنشئة الأسرية و بيئته المعيشية التي تمارس عليه نوع من أنواع الاساءة بالكلام أو السخرية عليه بشكل تكراري. فالتنمر لم يولد عبثا من دون قاعدة سابقة انما هو اسقاط فعلي لما تلقاه الطفل من عائلته فتوضح السيدة “نايت مسعود ” :النقص في تقدير الذات يجعل الطفل دائم السعي للفت الانتباه لمن هم حوله حتى وان كان الامر بالشكل السلبي ،لإثبات وفرض وجوده قصرا ويكون ذلك بمثابة تنفيس لخلجاته الداخلية التي تظهر في أساليب تسلطية أو مضايقات لفظية و جسدية على الغير”.
المدرسة …. الحضن الدافئ للتنمر
التنمر كحالة وظاهرة هي موجودة فعلا، تنامت مؤخرا في المدارس الخاصة و العمومية نتيجة تدهور القيم الاسلامية التي تأثرت بحياة الغرب و معتقداتهم، خاصة بعد ظهور التوجه المادي لدى الأطفال بظهور الطبقية المجتمعية و انقسام فئات المجتمع .فتؤكد لنا السيدة “لعزيزي نادية” استاذة التعليم الابتدائي ومديرة لمدرسة خاصة مركزة:” غياب الانتماء للقيم الاخلاقية اليوم أحدث شرخ في المجتمع فتعددت التوجهات و ظهرت التصنيفات داخل الحرم المدرسي الذي فرض على الاطفال الانقياد بسلوكيات غربية لا تمثل أصالتنا الدينية ، التي وجدت قبول رهيب عند المراهقين و الاطفال خاصة فيما يخص أسلوب الاستقواء و حب الظهور كشخص قيادي أو رجل عصابة”.
يعود انهيار السلم الاخلاقي في المدارس إلى الظواهر المتشعبة التي لم تلق حلول منطقية لها، والتي تخص كل برامج الانضباط في المدرسة من رقابة و قوانين صارمة تفرض على التلميذ الانقياد لها تربويا ثم تعليميا ،فتقول الاستاذة “لعزيزي نادية” : البعد التعليمي أخذ حيزا واسعا في المدارس مهمشا بذلك التربية التي لم تعد ذات أهمية في المنهج الدراسي للأطوار الثالثة، نضيف عليها تكوين الأساتذة الذي يقتصر على تلقين الدروس دون التدخل في سلوكيات التلاميذ “.
التنمر…يكتسي لواء الأستاذ
تظهر هذه النقطة مدى تفاقم ظاهرة التنمر نتيجة التهميش التربوي في المدرسة ، خاصة حين يغيب دور المعلم في القسم ليصبح بذلك متنمر بحذ ذاته؟؟؟ فيروي لنا الطفل “ياسر” قصته مع أستاذه في المدرسة الابتدائية قائلا:” متعرفش تقرا راح تعاود العام..؟ هذه الجملة كان لها وقع مؤلم في نفسي بينما استاذي دائم تكرارها لي في القسم بين زملائي، ما جعلني دائم الخجل و التوتر”.
لم يقف الأمر عند هذه المعاملة المجحفة بين الأستاذ و تلميذه انما تمادى الوضع الى مشاحنات داخلية في نفسية الطفل الذي سرد لنا ما يعيشه في كلمات مضطربة بتخوف و ضياع جعله في تراجع دراسي مستمر وفي حالة تشتت ليقول مرة أخرى:” عتاب أمي لي زاد الأمر حدة حين أخبرتها بكرهي لمعلمي الذي يهينني في كل مرة ،لتقول لي هي بدورها أنه على صواب..؟ كوني طفل ضعيف دراسيا “.
فغياب التكوين التربوي و التعليمي في قالب مشترك جعل الاستاذ يفقد قيمته كمربي و معلم فأصبح قليل الصبر و كثير التهكم، و لا يولي اهتمامه للنصح و غرس القيم الدينية التي هي أساس التربية و التعليم .
في ذات الجانب نجد تنمر تحت عنوان ” الدعوة إلى الالتزام ” الذي يبدو في الوهلة الاولى أمر غريب بكون التنمر ذو اتجاه عقائدي؟ لتروي لنا بدورها التلميذة ياسمين” في الطور الثانوي” قصتها مع التنمر العقائدي قائلة:” قد لا أكون ملتزمة شرعيا في لباسي لكن ابقى من أسرة محافظة لا أتمادى في اسلوبي و لا اتعدى عن من هم بعكسي ، لكن في مرحلة قريبة واجهت صدمة لم اتخطاها لليوم و لم اجد الحل لمواجهتها سوى الانسحاب غصبا ..”
و تابعت :” اذ بدأ الامر بمجرد انتقالي لمدرسة جديدة خاصة بسبب بعض الاسباب العائلية. لكن و منذ اليوم الاول وأنا أتلقى الرفض بكلمات أو بإشارات من تلاميذ المدرسة كونهم جميعا متدينين، فرضوا علي بأسلوب اجباري التحجب و الامتثال لتوجههم الديني مع كثرة الالحاح الى وصل الامر الى الاختيار بين البقاء في المدرسة و الخضوع لهم أو الانسحاب بصمت، ففضلت الانسحاب لأنني لم اتحمل الضغط والاجبار كما أنني لم أشعر بالراحة بينهم بالرغم من أننا نحمل نفس المبادئ؟؟.
العائلة….. نواة التنمر
قد يخفى على الكثير أن المزاح الدائم و السخرية المضحكة هي نوع من أنواع التنمر الذي يظهر للبعض أنه حديث عابر بين الكلام ، بينما هو تنمر لفظي يحطم قناعة الذات شيئا فشيئا خاصة عندما تكون من شخص قريب و من العائلة .وهي حال العديد من العائلات الجزائرية التي أصبحت لا تفرق بين المزاح و التنمر خاصة على الأطفال الذين هم في مرحلة جد حساسة تؤثر سلبا عليهم على المدى البعيد . ومن الحالات التي شهدت هذا النوع من التنمر يروي لنا الطفل “شايبي رشيد” ذو العشر سنوات معاناته التي وصفها لنا بصوت مرتجف متحدثا:” بدأت معاناتي في السنة الثالثة ابتدائي مع زملائي الذين يعيبون على شكلي بكلمات عديدة كوني قصير القامة ولا أبدو في سني، فبدأ الأمر بطفل واحد متنمر و تزايد العدد في كل فصل دراسي و سنة دراسية جديدة إلى أن أصبحت كلمة قصير “إسمي”.
و تابع مضيفا:” لم يكتف الأطفال بنعتي بالقصير بل زادت وقاحتهم بكلمات أخرى كتحريف اسمي ” من رشيد إلى رشيدة” ثم الضرب في ساحة المدرسة دون أن أجد يد عون تدعمني داخل المدرسة ، فما وجدت إلا أصوات السخرية و الضحك من زملائي الذين حولوني لمشغلهم الشاغل يوميا بنفس الطريقة و الأسلوب.”
في البداية تظهر القضية أنها تنمر مدرسي ،لكن بالرجوع للخلفية الحقيقية للظاهرة تظهر مستجدات جديدة تكشف حقيقة التنمر و نواته التي تعود للعائلة فتوضح “أم رشيد” قائلة:” اعتاد عم ابني مناداته ب” قزوم” بمعنى قصير كنوع من أنواع المزاح معه، بداية لم انتبه لأثر تلك الكلمة على ابني لكن حين تطور الامر الى أبناء عمه بدأت ألاحظ انزعاجه و تذمره من المزاح الذي أصبح تنمر حقيقي انتقل بشكل مباشر من داخل المنزل الى المدرسة لتبدأ معاناة ابني مع هذه الكلمة التي أصبحت عقدة نفسية في داخله.”
و أضافت:” لاحظت أن رشيد دائم الانزعاج داخل المنزل و خارجه فحاولت تدارك الوضع بالحديث مع عمه للتوقف عن مناداته بالقصير، لكن رغم ذلك فإن الوقت قد فات لأن زملائه قد واصلوا ما بدأه عمه فلم أجد سوى الشكوى لمدير المدرسة الذي صدمني برد فعله الجاف دون محاولة صادقة منه للسيطرة على الوضع.”
حال أم رشيد تصف ما تعيشه الكثير من الأمهات الجزائريات اليوم اللواتي يصارعن التنمر بسند واحد دون تجاوب ملحوظ من المسؤولين كون “التنمر” مصطلح دخيل غير معترف به في المجتمع الجزائري. فرغم محاولتهن لإصلاح الوضع الا أن الظاهرة تبقى أقوى من ذلك تحتاج صبرا طويل و معالجة دقيقة. لتواصل بذلك مرة أخرى” أم رشيد “حديثها:” حاولت تخفيف العبء على ابني من خلال إشراكه في رياضة كرة السلة لربما وعسى أن يتغير طوله و يكتسب ثقة في نفسه ، لكن ربما لم أكن دقيقة في اختياري لأنني لم أجد التغيير المثالي في نفسية ابني ما دفعني الامر للتوجه لمختصة تربوية كحل نهائي.
يؤثر سلوك التنمر على الفرد على المدى البعيد ليبقى في جوف مكبوتاته التي تصارع البقاء داخليا لتنفجر في وقت مستقبلا في شكل اضطرابات و عقد متأزمة تجعل الفرد سريع التأثر و العصبية التي أكدت من خلالها سيدة تعيش تشتت نفسي قائلة:” في مرحلة سابقة عندما كنت تلميذة في الطور الثانوي اعتدت أن أجهز أدواتي المدرسية قبل التوجه للمدرسة بليلة من قبل، لكن و في كل مرة أتفاجئ بخلط في الادوات المدرسية بعد أن كنت قد جهزتها بيدي . تكررت الحادثة أكثر من مرة حتى أصبحت غير متزنة عقليا و دائمة التشتت الى أن رسبت في شهادة التعليم الثانوي؟.”
وواصلة:” أردت استعادة ثقتي بنفسي التي خسرتها كنتاج للحادثة التي أتعبتني جسديا و نفسيا ، فتوجهت للأخصائية النفسانية التي وجهتني و حددت سبب مأساتي التي كانت شقيقتي التي أوصلتني إلى هذه الحالة بأسلوبها المتنمر غيرة منها فقط”.”
المتنمر يعاني مشاكل نفسية
اعتبرت الأخصائية النفسية “هيون وفاء” التنمر حالة نفسية اجتماعية تمارس على شخص ضعيف الثقة مهدد لا يقوى على رد الاهانة . باعتبار أنه اسلوب سلبي لا واعي يوجه غرائز الذات نحو الإساءة الجسدية أو اللفظية.
فمن البديهي أن الإساءة الجسدية تظهر عن كثب إذا تسلط فرد على غيره بالعنف او العدوان ، فتوجه الممارسة في هذه الحالة الى عتاب أو تحذيرات متكررة مع الوقت دون ايجاد حل نهائي لهذه السلوكيات ، في حين أن الاساءة النفسية لا تظهر علنا انما تبقى في تراكم مستمر داخل النفس البشرية للطفل الذي يجاهد نفسه لإبقائها في حالة خمود، تجعله يتآكل داخليا بسبب السلوك المهين الممارس عليه.
فيصيبه لاحقا بشكل غير واعي تغيير سلوكي في عاداته ، فيصبح منعزل في قوقعته بعيدا عن الناس دون اتصال مباشر معهم خوفا من تزايد شدة التنمر عليه من طرف الغير أو المتنمر الذي يستفيد من حالة ضعفه و عزلته في رفع الشدة و ووتيرة التنمر ليظهره كشخص ضعيف الذات و ناقص. في هذا الشق أكدت لنا الأخصائية النفسانية قائلة:” أثر التنمر يظهر في مستوى تقدير الذات و قلة الثقة خاصة في مرحلة بناء الشخصية التي تصادف الطفولة و المراهقة التي يصبح فيها الطفل حساس لكل ما يستقبله .”
و تابعت موضحة: ” عند معرفة الضحية أن ما حكم عليها من طرف شخص آخر هو افرازات نفسية لذلك الشخص الذي يعاني من مشكل نفسي داخلي ، تنخفض لديه حدة التوتر و القلق النفسي ليصبح ذو قابلية لإدراك الوضع أو الحالة التي وضع فيها قصرا.”
أما المتنمرين فغالبيتهم اليوم يعانون هم بحد ذاته في صمت رهيب ناجم عن قلة الوعي النفسي الذي يجعل الطفل المتنمر في حالة ضياع داخلي، يفرز مكبوتاته الدفينة في شكل سلبي يضر به غيره دون دراية منه أنه الضحية الاول في هذه القضية ، كون ما يقوم به تجاه غيره هو رد فعل انعكاسي لما مورس عليه سابقا من طرف عائلته أو أقربائه ، محاولا طمس ضعفه النفسي في عملية الاستقواء على من هو أكثر منه ضعفا نفسيا و جسديا أحيانا.
في هذا دعت الدكتورة حيون إلى ضرورة التوعية النفسية التي أصبحت حتمية لإنقاذ التلاميذ و المراهقين باعتبارهم أكثر عرضة لهذه الظاهرة . فتقف مسؤولية التوعية على عاتق الأولياء الذين هم ملزمون بتطبيق مبادى المراقبة النفسية على اولادهم بشكل دوري للاطلاع على ما يقف هاجسا أمامهم في مسار حياتهم الدراسية و اليومية ، فيعرقل مدى استيعابهم و ووعيهم الذي يظهر على شكل اضطرابات أو مشاحنات لا يوليها الأولياء أهمية مع الاسف خاصة في المجتمع الجزائري الذي همش مفهوم العلاج النفسي بشكل كبير.
التنمر في القاموس القانوني
محدودية الوعي بالتنمر جعلته مصطلح دخيل في القانون لا يطبق على مسببه أي اجراءات واضحة تنصف الضحية و تؤدب المسؤول خاصة وأنه أمر شائع عند الطفل القاصر ، ما عقد الأمر أكثر، فتفسر في هذا الشق المحامية ” شائمة جعفر شريف ” قائلة:” يعد مصطلح التنمر إلى حد يومنا هذا مصطلح دخيل في القاموس القانوني ؛اذ انه لم يدرج ضمن المخالفات او الجنح بالرغم من أنه بمفهومه الواسع هو أول سبب لجملة من الجنح لاسيما الضرب و الجرح العمدي القذف السب الشتم …حيث انه غالبا ما يكون التنمر متبوع بمخالفات ترقى الى غاية الجنايات وهذا ما يعاقب عليه القانون الجزائري.”
يبقى التنمر في المجال القانوني أمر شكلي فقط إلا في الحالات التي تشهد ضرر فعلي جسدي ، فيشرع على ضوئها العقوبات التي لا تتعدى ايداع المتهم في مؤسسة اعادة التربية و التأهيل، دون الاستناد لخلفية الفعل التي تعتبر تنمر واضح . فتضيف المحامية شائمة :” في حالة قيد الشكوى من طرف الأولياء يكون هناك عقوبات إدارية مثل إحالة التلميذ على مجلس التأديب و بعد ذلك يقرر المجلس أي عقوبة يفرضها على المتنمر على سبيل المثال الانذار الشفهي والتوبيخ أو إلزام المتنمر على الاعتذار او حتى الطرد من المؤسسة في حالة تكرار الفعل .اما اذا كان فعل التنمر مقترن بأفعال اخرى كالسب و الشتم او متبوع بشكل من اشكال العنف الجسدي هنا يمكن للأولياء رفع دعوى قضائية يتم الفصل فيها امام قسم الأحداث باعتبار ان الشاكي و المشتكى منه قصر.”
بالرغم من أن القانون قد شرع عقوبات للسلوكيات المشينة التي تمس كرامة الفرد ، الا انه لم يدرج في نصوصه مادة تلم بقضايا التنمر التي أصبحت اليوم حالة جد منتشرة تفرض قوانين جديدة داخل المدرسة و خارجها . تضبط ممارسات التلميذ القاصر الذي يتستر وراء سنه للقيام بمختلف الممارسات السلبية التي يغطي حاجتها الأولياء بغرامات مالية .:” بالنسبة للغرامة المالية المفروضة على الحدث انا كقانونية لست من المساندين لهذه العقوبة باعتبار ان القاصر ليس له دخل مالي و بالتالي الوالي هو من سيتحمل اعباء دفع الغرامة و هذا لا يفي بالغرض المرجو تحقيقه من تسليط عقوبة الغرامة المالية على مقترف بالفعل،باعتبار أن الظاهرة في تفاقم و تنامي نرجو من المشرع الجزائري دراسة امكانية ادراج آفة التنمر في قانون العقوبات لتفادي انتشاره بأساليب عنيفة على نطاق واسع خاصة في الوسط التربوي”.
دراسة الظاهرة علميا .. ضرورة حتمية للقضاء على التنمر
تتنوع أساليب علاج ظاهرة التنمر بين المعاقبة الصارمة أو التهديد بالكلام وأحيانا المبالغة بالضرب ، لكن تبقى هذه المعاملات ناقصة و لا تؤدي الغرض لأن الاهانة اللفظية والجسدية تزيد الشحنة و التعصب لدى الطفل ليزيد بدوره في سلوكياته التنمرية، التي أوضحت من خلالها الأستاذة لعزيزي نادية مشيرة :” نحتاج العلاج أكثر من العقوبة في السيطرة على ظاهرة التنمر من خلال اعطاء المتنمر فرصة للتعبير عن ما يتخبط داخله دون محاولة منا ردعه بأسلوب قاسي يعقد الامور فقط”.
فالدراسة العلمية التوضيحية تزيل الشك و توضح الاسباب و الخلفية الاساسية لهذه الظاهرة دون اللجوء للعنف، فنعود بذلك للبنة الاساسية لتفاقم الظاهرة ألا وهي الاسرة التي تحتاج صرامة تربوية و تحسينه اسلوب الحوار و الانصات الذي يقع على عاتق الابوين.
وبالموازاة لابد من تفعيل خلايا الانصات و الاستشارة داخل المدرسة مع اشراك المختصين النفسانيين و التربويين في الحرم المدرسي بشكل دوري لفحص حالة التلميذ التي تتطلب فهم و استشارة في تفاصيله. كما لابد من التركيز على جعل المؤسسة التربوية و التعليمية جناح منفتح على العالم الخارجي، من خلال تنظيم حملات تحسيسية داخلية تمكن الجمعيات التي تهدف لتوعية التلاميذ و تعريفهم بانعكاسات السلوكيات السلبية على حياتهم بطريقة سلسة من تنظيم لقاءات و نشاطات ترفيهية التي تعتبر متنفس لهم.
كما لا نتجاهل محطة تكوين الأساتذة ضورة لتلقينهم اساسيات التعامل مع التلميذ و الاستماع له و توجيهه داخل القسم و في المدرسة بجعله هو أيضا قدوة يقتدي بها الطفل و المراهق بعد والديه .
.
موضوع غاية في الأهمية
شكرا للصحفية المبدعة شيماء منصور
أتمنى لك مستقبل زاهر لمواصلة رسالتك النبيلة
نعم كل الشكر كوتش على مشاركتك القيمة